وكم في كتب الضرب الثاني وهم المؤرخون ذوو الأصول الأخبارية من دواهٍ، وأدواء لم يطببها إلا الضرب الأول ..
مثال آخر: شيخ الإسلام أبوالعباس ابن تيمية لا يخفى منزلته في المحدثين، وهو في التواريخ والأخبار إمام واسع الاطلاع جداً، وناقد ومحلل وإن لم يختص بذلك ويشتهر به إلا عند من تبحر في الاطلاع على كلامه، وعرفته بالتاريخ وعلله و"فلسفته" أمر نص عليه عارفوه من أهل عصره، وشواهده قائمة في كتبه، ولا سيما ما كان منها يقتضي التعرض للتاريخ، بل هو سريع الاستحضار والإحضار لمسائله عند أدنى مناسبة مقتضية، وقد أكسب ذلك أبحاثه قوة خاصة، وحججاً واقعية مقنعة.
هذا مع جمعه إلى ذلك الاستبحار في النظريات والعقليات مما أكسبه معرفة "أنساب الآراء والأفكار" وتوالد بعضها من بعض، وحسن التفهم لمواقف أصحابها ودوافعهم ..
وهذا له علاقة بمعرفة النفس البشرية والاجتماع الإنساني ..
أما النفس البشرية فقد كان الشيخ بحراً في ذلك وهو معروف عند أجلة معاصريه وعند المتمعنين في كتبه بالبعد التربوي العميق والمعرفة بالنفوس وأدوائها وعلاجها، وتحليل مواقفها إلى درجة عالية من الشفوف ..
وليس المقصود الثناء عليه ولكن التمثيل بما كان عليه لما له علاقة في التحليل التاريخي والنقد الأخباري
نقد النقل للموقف والحدث، ونقد الحدث والموقف نفسه وتحليله بعد ثبوته أو على افتراض ثبوته، وهذا من الفقه التاريخي.
كل هذه أفكار أعبر عنها عجلاً استلطافاً للموضوع،،
ولعل نقع العجلة غبر في وجهها حتى لا يكاد يتسبين ..
وجزاكم الله تعالى خيراً على هذا الطرح الجاد المفيد
بعد كتابة ما تقدم فتحت صفحة منهج النقد التاريخي فوجدت فيها تعرضاً للمقارنة بين المنهج الحديثي والمنهج التاريخي، والميل إلى بيان الفروق، وهو متكامل فيما أحسب مع ما سبق من ذكر جوانب الاتفاق والتشابه ..
والسخاوي في كتابته التاريخية فيه ميل واضح إلى طريقة الأخباريين ..
ومن كتب في التاريخ من الفقهاء والمتشغلين بالشريعة فيهم من بدى أثر ذلك في تحليله ونقله ونقده ..
ومن كتب فيه من اللغويين وغيرهم .. كذلك.
فمعلومات الباحث في التاريخ من حيث هو ناقل أوناقد له أثر كبير على عمليه هذين النقل والنقد
لأن النقل فرع عن الإدراك والتصور للمنقول، وقد يقع فيه خلل يعرف الفقهاء والقضاة منهم خاصة أسباب ذلك، فإن القضاة ألصق بأبواب الأخبار لأجل الدعاوى وفيهم من جانب النقد لأجل جانب تطلب البينات وإعمالها ..
وقد يقع فيه خلل يعرفه نقاد النفس البشرية من الأئمة الراسخين في أعمال القلوب الباحثة في تفاصيل علل الإرادة الإنسانية ..
وقد يقع فيه خلل من جهة التصور يدركه أئمة الاعتقاد المتبحرين في معرفة علل المقالات والأفكار والتصورات المنافية للوحي,.
وبالله التوفيق.
ـ[مصطفى عطية]ــــــــ[03 - 12 - 07, 02:27 م]ـ
جزاك الله خيرا ونعم النقاش المفيد