وقال مولاه نافع: إنْ كان ابن عمر ليفرّق في المجلس ثلاثين ألفا، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل مزعة لحم.
اتِّباعه للسنة:
كان ابن عمر رضي الله عنهما مِن أكثر الناس اتّباعاً للسنة رضي الله عنه.
وكان شديد الاستجابة للرسول صلى الله عليه وسلم
ولذا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو تركنا هذا الباب للنساء. قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. رواه أبو داود.
ومن ذلك
ما رواه مسلم عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها. قال فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن. قال: فأقبل عليه عبد الله فسبّه سبّاً سيئا ما سمعته سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن؟
رقّة ابن عمر رضي الله عنهما:
قال نافع: كان ابن عمر إذا قرأ: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) بكى حتى يغلبه البكاء.
وروى عاصم بن محمد العمري عن أبيه قال: ما سمعت ابن عمر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكى.
وقال يوسف بن ماهك: رأيت ابن عمر عند عبيد بن عمير، وعبيد يقصّ، فرأيت ابن عمر ودموعه تهراق.
و عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه أنه تلا: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ) فجعل ابن عمر يبكي حتى لثقت لحيته وجيبه من دموعه، فأراد رجل أن يقول لأبي: أقصر فقد آذيت الشيخ.
اعتزاله الفتن:
كتب الحجاج إلى ابن عمر: بلغني أنك طلبت الخلافة، وإنها لا تصلح لعيي ولا بخيل ولا غيور. فكتب إليه: أما ما ذكرت من الخلافة فما طلبتها وما هي من بالي، وأما ما ذكرت من العي فمن جمع كتاب الله فليس بعيي، ومن أدى زكاته فليس ببخيل، وإن أحق ما غرت فيه ولدي أن يشركني فيه غيري!
لما أُريد ابن عمر على الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه أبى، وهرب على مكة فرضي الله عنه.
قال حبيب بن أبي ثابت أن ابن عمر قال يوم دومة جندل: جاء معاوية على بختي عظيم طويل فقال: ومن الذي يطمع في هذا الأمر ويمدّ إليه عنقه، قال ابن عمر: فما حدّثت نفسي بالدنيا إلا يومئذ، هممت أن أقول: يطمع فيه من ضربك وأباك عليه، ثم ذكرت الجنة ونعيمها فأعرضت عنه.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: دخلت على حفصة ونوساتها تنطف فقلت: قد كان من الناس ما ترين، ولم يُجعل لي من الأمر شيء. قالت: فالحق بهم، فإنهم ينتظرونك وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فُرقة، فلم يرعه حتى ذهب قال: فلما تفرق الحكمان خطب معاوية فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع إليّ قرنه! فنحن أحق بذلك منه ومن أبيه. يُعرّض بابن عمر!
فقال له حبيب بن مسلمة: فهلا أجبته فداك أبي وأمي؟ فقال ابن عمر: حللت حبوتي فهممت أن أقول: أحق بذلك منك من قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرّق الجمع، ويسفك فيها الدم، فذكرت ما أعد الله في الجنان. رواه البخاري.
وقال سلام بن مسكين: سمعت الحسن يقول: لما كان من أمر الناس ما كان زمن الفتنة أتوا ابن عمر فقالوا: أنت سيد الناس وابن سيدهم، والناس بك راضون، اخرج نبايعك. فقال: لا والله لا يُهراق فيّ محجمة من دم، ولا في سببي ما كان فيّ روح.
إمامته رضي الله عنه:
يدلّ على إمامته هذه القصة:
لما ابتنى معاوية بالأبطَح مجلسا جلس عليه ومعه ابنه قُرَظَة، فإذا هو بجماعة على رحال لهم، وإذا شاب منهم قد رفع عقيرته يتغنى:
من يساجلني يساجل ما جداً ... يملأ الدلو إلى عقد الكُرب
قال: من هذا؟
قالوا: عبدالله بن جعفر.
قال: خلُّوا له الطريق.
ثم إذا هو بجماعة فيهم غلام يتغنى:
بينما يذكرنني أبصرنني ... عند قِيد الميل يسعى بي الأغر
قلن تعرفن الفتى؟ قلن: نعم ... قد عرفناه وهل يخفى القمر؟
قال: من هذا؟
قالوا: عمر بن أبي ربيعة.
قال: خلُّوا له الطريق فليذهب.
قال: ثم إذا هو بجماعة وإذا فيهم رجل يُسأل، فيقال له: رميت قبل أن أحلق؟ وحلقت قبل أن أرمي؟ في أشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج، فقال: من هذا؟
قالوا: عبد الله بنُ عمر، فالتَفَتَ إلى ابنه قُرَظَة وقال: هذا الشرف. هذا والله شرف الدنيا والآخرة.
قال الإمام مالك: كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر، مكث ستين سنة يُفتي الناس.
شِدّته في الحق:
حدّث إسحاق بن سعيد بن عمرو الأموي عن أبيه عن ابن عمر أنه قام إلى الحجاج وهو يخطب فقال: يا عدو الله استُحلّ حرم الله، وخرب بيت الله. فقال: يا شيخا قد خرّف، فلما صدر الناس أمر الحجاج بعض مسوّدته فأخذ حربة مسمومة وضرب بها رجل ابن عمر، فمرض ومات منها، ودخل عليه الحجاج عائداً، فسلم فلم يرد عليه، وكلّمه، فلم يُجبه.
وروى ابن سيرين أن الحجاج خطب فقال: إن ابن الزبير بدّل كلام الله، فعلم ابن عمر فقال: كذب! لم يكن ابن الزبير يستطيع أن يبدل كلام الله ولا أنت. قال الحجاج: إنك شيخ قد خرّفت الغد! قال ابن عمر: أما إنك لو عدتَ عدتُ.
وفاته رضي الله عنه:
توفي رضي الله عنه سنة ثلاث وسبعين من الهجرة.
وهو ابن خمس وثمانين سنة.
فرضي الله عنه وأرضاه.
اللهم إنا،ُشهدك على حب عبد الله بن عمر، وعلى حب أبيه من قبله، فاحشرنا في زمرتهم.
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
[email protected] ([email protected])
¥