تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما لم يذكره شيخنا الطنطاوي في ذكرياته عن الرياض أنه لم يكن يصبر على مادة واحدة، وكان يجرب تدريس المادة أسبوعاً أو أسبوعين ثم يقول: "هذه المادة ما صلحت لي وما صلحت لها". ولما أعيا الأمر عرض على عميد الكليتين - كلية الشريعة وكلية اللغة العربية - أن يلقي محاضرة أسبوعية عامة، يدعى إليها الناس مساء، وكانت المحاضرة العامة نادرة أو قليلة في الرياض آنذاك، وقبلت إدارة الكليات والمعاهد اقتراح الشيخ، وتهافت الناس على محاضراته التي كانت فريدة في جمعها بين العلم والتوجيه، مع ما يملك الطنطاوي من سر الجاذبية في أحاديثه الخاصة والعامة، وفي مشهد الناس أو في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.

ولكن ما هي إلا أن جاء الأسبوع الأخير من شعبان، ونحن في منتصف العام الدراسي، وإذا بالشيخ الطنطاوي يفجأ الناس بعد أن انتهى من محاضرته قائلاً: "إن هذه المحاضرة هي آخر محاضراته؛ لأنه ولأن الناس سوف يستثقلون الحضور في ليالي رمضان".

وقد حاول عميد الكلية أن يعترض على الشيخ، ولكن الناس كانوا قد نهضوا، واختلط الحابل بالنابل، وهيهات أن يسمع الاعتراض، وهيهات قبل ذلك أن يقبل به الشيخ الطنطاوي.

ولم يبق أمام إدارة الكليات إلا أن يقضي الشيخ الطنطاوي ما بقي من شهور الدراسة مستشاراً متفرغاً من التدريس والمحاضرات.

فيض الذكريات:

وانتقل الشيخ من الرياض إلى جدة في مطلع العام الدراسي التالي، وصرنا لا نلقاه إلا في زيارات قليلة أثناء العمرة أو الحج، نزوره في بيته، أو نراه في زاويته المعتادة قرب الإذاعة في الحرم. وكان مما يعوضنا عن قلة لقاءاتنا به أننا كنا ناره ونسمعه مع آلاف الناس في برنامجه الأسبوعي في الرائي السعودي، هذا البرنامج العجيب الذي استمر نحو من ربع قرن، ولا يماثله في استمراره في العالم إلا برامج معدودة على أصابع اليد الواحدة، وكان تعلق الناس بهذا البرنامج مع برنامجه الآخر "على مائدة الإفطار" أمراً تحار العقول في تفسيره، إذ تعلق الناس به من مختلف الطبقات وشتى الأعمار.

ولما أردت أن أكتب عن الشيخ الطنطاوي كما عرفته، بدأت بالرجوع إلى "ذكريات الطنطاوي" التي صدرت في ثمانية أجزاء كاملة وكان هدفي أن أطلع على ما كتبه عن العام الدراسي الذي نعمنا فيه بزمالته في الكليات والمعاهد العلمية. وكنت قد اطلعت على الذكريات اطلاع العجلان، ولم أتجاوز قراءة الجزء الأول منها، وها أنا ذا أراني أقلب في فهارس الكتاب، وأغرق في قراءة كثير من حلقاتها حتى شغلت بها نحواً من يومين أو أكثر، وقد نقلتني هذه الذكريات إلى بلدي الحبيب، وإلى دمشق بخاصة، حيث يصف الأديب الكبير دمشق؛ دورها وأحياءها، وبساتينها وغوطتها وكتاتيبها ومدارسها وجامعتها الناشئة، كما صور أفراحها ومآسيها والأحداث والوقائع التي شهدها أو أسهم فيها.

نعم لقد تحدث الطنطاوي عما مر بسورية في أيام الاتحاديين العنصريين، وفي زمن الفرنسيين المستعمرين، ثم تحدث عن الجلاء والاستقلال، وتحدث عن الوَحدة والانفصال، وكان لفلسطين في غمار تناوله للحياة السياسية النصب الأوفى.

وتحدث في الحياة الاجتماعية عن مجالس الخاصة وسهرات الناس، وعن الأعراس والمآتم، وعن قضية السفور والحجاب، وندب نفسه مدافعاً عن الفضيلة، وبخاصة في رسائل الإصلاح التي نشرها.

وتحدث عن الحياة الأدبية مبيناً رأيه في الأدب، في معرض رده على الأستاذ شفيق جبري الذي كان من دعاة الفن للفن، وكان من قول الطنطاوي "إن الأدب لا يجدي إن لم يكن أدب الحياة، ولا يكون أدبَ الحياة حتى يُحكِم صلته بها، ويداخلها، فيعرف مواطن الخير فيها فيدل عليها، وأماكن الشر فينفر منها" [1] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftn1).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير