تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" إن السنة النبوية والقرآن لا يتعارضان، ولهذا يُردُّ خبرُ الواحد إذا خالف القطعيَّ من القرآن"

الحمد الله، أما بعد فقد أدهشني ما رأيته في الملتقى من انتقاد الشيخ ابن باديس في قضايا أخرى غير تلك التي سودت تلك الجراحة الطائشة، ومن ذلك انتقاد ابن باديس في العبارة المذكورة أعلاه حيث قال في التفسير وهو الجزء الأول من الآثار (1/ 54):" محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن نور وبيان، في هذه الآية وصف محمد صلى الله عليه وسلم بأنه نور، ووصف القرآن بأنه مبين، وفي آيات أخرى وصف القرآن بأنه نور بقوله: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) (التغابن: 8) ووصف الرسول بأنه مبين بقوله: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل: 44) وهذا ليبين لنا الله تعالى أن إظهار النبي صلى الله عليه وسلم وبيانه وإظهار القرآن وبيانه واحد، ولقد صدقت عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:"كان خلقه القرآن " (استفادة) نستفيد من هذا أولا: أن السنة النبوية والقرآن ولهذا يُردُّ خبرُ الواحد إذا خالف القطعيَّ من القرآن وثانيا: أن فقه القرآن يتوقف على فقه حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، وفقه حياته صلى الله عليه وسلم يتوقف على فقه القرآن وفقه الإسلام يتوقف على فقههما "

فقوله: "إن السنة النبوية والقرآن لا يتعارضان " تأصيل عظيم لقاعدة من قواعد علم الأصول المهمة وهي أن التعارض ليس من الشرع، فالسنة النبوية الثابتة المحكمة لا يمكن أن تتعارض مع القرآن فهما متكاملان لأن مصدر الشرع واحد وهو الله تعالى والحق واحد لا يمكن أن يتعدد وأماراته لا تتعارض، وقد نص العلماء أيضا أن السنة النبوية الثابتة والإجماع الصحيح لا يتعارضان أبدا بناء على هذا الأصل.

وهذا خلافا للواقفة من الأشعرية الذين يقولون بتكافؤ الأدلة في الواقع لا في نظر المجتهد، فيجيزون أن يكون التعارض من الشرع، ويذهبون إلى عدم الترجيح وتصويب المجتهدين وغير ذلك من الضلالات.

وقوله:" ولهذا يُردُّ خبرُ الواحد إذا خالف القطعيَّ من القرآن" رد خبر الواحد إذا عارض النص القطعي من القرآن قاعدة صحيحة لا غبار عليها، ويلزم من يخالف في هذا أن يرد نص القرآن القطعي ولا قائل بهذا، ولا يقال إن ذلك لا يلزم بإمكان الجمع بينهما لأنا نقول لا تعارض ولا ترجيح في حال إمكان الجمع.

ويدلنا على هذا الترجيح الذي هو من قطعيات علم الأصول ترتيب الأدلة بحسب القطعية والظنية قال الشافعي في الرسالة (599):" نحكم بالكتاب والسنة المجتمع عليها التي لا اختلاف فيها، فنقول لهذا حكمنا بالحق في الظاهر والباطن. ونحكم بالسنة قد رويت من طريق الانفراد لا يجتمع الناس عليها، فنقول حكمنا بالحق في الظاهر لأنه قد يمكن الغلط فيمن روى الحديث". ولا تعارض بين القطعي والظني فيقدم القرآن والسنة المتواترة على خبر الواحد الذي ظاهره الصحة، ولا خلاف في هذا، وإن كثيرا من الناس اليوم (من أهل العلم اللدني) يتقبل أن يقال له يرجح حديث على حديث من حيث السند مع أنهما ظنيان ولا يقبل أن يقال له يرجح القرآن على خبر الواحد مع أن القرآن قطعي فلا أدري لماذا؟؟ بل ربما يرجحون حديثا مختلفا في صحته على أحاديث كثيرة في الصحيحين كما هو الحال في المسألة المنهجية العقدية الشهيرة (صيام يوم السبت).

وقد نص أكثر الأصوليين على تقديم الإجماع القطعي على خبر الواحد الظني أيضا، وقال الشافعي رحمه الله كما في الآداب لابن أبي حاتم (232):" والإجماع أكبر من الخبر المنفرد".

ولما تحدث الأصوليون عن تعارض خبر الواحد مع عمل أهل المدينة، قال كثير منهم-وهو الصحيح- إذا كان العمل متصلا فيقدم على خبر الواحد لأنه نقل متواتر. ويكون الخبر المرجوح في هذه الأحوال إما منسوخا وإما غلطا لكن لم يظهر عند من يرده دليل النسخ أو وجه القدح في إسناده.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير