تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أنوارهم، والقائمين بالحق في اقتفاء آثارهم، ممن رزق البحث والفهم وإنعامَ النظر في العلم، بيان ما أهملوا، وتسديد ما أغفلوا، إذ لم يكونوا معصومين من الزلل، ولا آمنين من مقارفة الخطأ والخطل، وذلك حق العالم على

المتعلم، وواجبٌ للتالي على المتقدم)) (10). وإنَّ هذا الصنيع لأهل العلم في القديم والحديث أمرٌ منبعثٌ من تأصيل العلم وتجريده من الخطأ، قال الإمام الشافعي: ((مَنْ تعلم علماً فليدقق فيه لئلا يضيع دقيق العلم)) (11). وهذا المنهج الذي أصله الإمام الشافعي - يرحمه الله – منهجٌ قديمٌ في التدقيق والبحث والنقد منذ عهد الرواية؛ لذا كان لكل قرن من قرون الرواية منهجه وأصوله وضوابطه على حسب المحيط الذي يحيط ذلك العصر والمستجدات التي تحف فن الرواية؛ لذا نجد القرن الأول كان كافياً لبيان صحيح السنة حتى لا تختل في القرن الذي بعدها، والنقد في القرن الثاني كان كافياً، وكذلك الثالث وهلم جراً. ومعلوم لدى النقاد أنَّ القرن الثالث الهجري كان العصر الذهبي في النقد والإعلال والتصنيف، ومن يمعن النظر في ذلك يجد أنَّ للمتقدمين إبداعات تخضع لها العقول، وإجادات تشهد بأنَّ علمهم مؤيدٌ من الباري سبحانه، ومما حصلوه في تلك المدة الزمنية أنَّهم دونوا الأحاديث في الكتب حتى قال البيهقي: ((وهو أنَّ الأحاديث التي قد صحت، أو وقفت بين الصحة والسُّقْم قد دُوّنت وكُتبت في الجوامع التي جمعها أئمة أهل العلم بالحديث، ولا يجوز أنْ يذهب منها شيءٌ على جميعهم، وإن جاز أن تذهب على بعضهم، لضمان صاحب الشريعة حفظها، فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم، لم يقبل منه)) (12).

ومن ينظر في كيفية تلقي الصحابة، وحرصهم على ذلك يدرك مدى الاهتمام، ومدى حرص الصحابة على حفظ السنة من الخطأ في الحديث فقد دققوا غاية التدقيق، فهم أخذوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم مشافهةً، وإذا سمعوا شيئاً مما لم يسمعوه تثبتوا فيه كما حصل لعمر بن الخطاب، وطلبوا البينة أحياناً مبالغة في التثبت وصيانةً للشرع كما فعل عمر بن الخطاب مع أبي موسى الأشعري (13) في الاستئذان ثلاثاً، لذا فإنَّهم لم يكونوا يتهاونون في ذلك مع أحدٍ كائناً من كان إذا رفع حديثاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك لما قال المستورد بن شداد القرشي عند عمرو بن العاص رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تقوم الساعة والروم أكثر الناس) فقال له عمرو: أبصر ما تقول قال: أقول سمعت من رسول صلى الله عليه وسلم ... )) (14).

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ((إنا كنَّا مرةً إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا)) (15).

وكانوا يرحلون في سماع الحديث حتى إنَّ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما رحل شهراً في سماع حديث واحدٍ (16).

ثم سار التابعون على ذلك المنهج ومن بعدهم، حتى قال ابن حبان:

((فرسان هذا العلم الذين حفظوا على المسلمين الدين، وهَدَوْهم إلى الصّراط المستقيم، الذين آثروا قَطْع المفاوِز والقِفار على التنعّم في الديار والأوطْان في طلب السنن في الأمصار، وجمعها بالوجل والأسفار والدَّوران في جميع

الأقطار، حتى إنَّ أحدهم ليرحَلُ في الحديث الواحد الفراسخ البعيدة، وفي الكلمة الواحدة الأيام الكثيرة، لئلا يُدخلَ مُضِلٌّ في السنن شيئاً يُضلُّ به، وإن فعل فهم الذابّون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الكذب، والقائمون بنُصْرة

الدين)) (17).

أما تنظيم الكتاب فقد كان الكتاب على ثلاثة أقسام:

القسم التنظيري، والقسم التطبيقي، والفوائد والقواعد الحديثية.

أما القسم الأول: فقد تضمن الكلام على معنى العلة، وأهمية علم

العلل، وثمرته، وتاريخه، وأئمته، والمصنفات فيه، وأسباب وقوع العلة، وطرائق كشف العلة، ومناهج المحدّثين في معرفة العلة، وما تزول به العلة، ومناهج التأليف في علم العلل، وثقافة المعلل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير