فقول الرازي: «الأكثرون» معناه: أكثر مَنْ تَكَلَّمَ في هذه المسألة< o:p>
فالرازي – نفسه – قد استدل على الوجوب بإجماع الصحابة رضي الله عنهم، وكأنه يريد أن يقول: إن المخالفين قد شَذُّوا حين خالفوا ما أَجْمَعَ عليه أصحاب رسول الله >.< o:p>
==========================================
وهنا قد يتساءل القارئ الغير متخصص: كيف ذلك؟!!! < o:p>
والجواب: إن ذلك كان يحصل بنوع من التأويل لكلام الأئمة، أو إن شئت فيمكنك أن تقول: سببه الفَهْم الخاطئ لكلام الأئمة< o:p>
ولنذكر أمثلة على ذلك:< o:p>
المثال الأول:< o:p>
نُسب إلى الإمام الشافعي أنه لا يقول بقاعدة: «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب».< o:p>
وذلك على الرغم من أن الإمام الشافعي نفسه قد صرح بهذه القاعدة في كتابه «الأم» < o:p>
وسبب النقل الخاطئ عن الشافعي هو أن الناقل فهم فهما خاطئا كلام الإمام الشافعي في مسألة فقهية فرعية جزئية.< o:p>
ولنقرأ كلام الإمام الزركشي في «البحر المحيط» في أصول الفقه، وهو يوضح ذلك قائلا:< o:p>
( وَقَدْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي «مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ» عَلَى مَنْ نَقَلَ عَنْهُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَصِحَّ هَذَا النَّقْلُ عَنْهُ، كَيْفَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْآيَاتِ نَزَلَ فِي أَسْبَابِ خَاصَّةٍ؟ ثُمَّ لَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهَا مَقْصُورَةٌ عَلَى تِلْكَ الْأَسْبَابِ.
وَالسَّبَبُ فِي وُقُوعِ هَذَا النَّقْلِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى سَبَبِهِ أَقْوَى .. وَأَبُو حَنِيفَةَ عَكَسَ ذَلِكَ، وَقَالَ: دَلَالَتُهُ عَلَى سَبَبٍ عَلَى النُّزُولِ أَضْعَفُ، وَحُكِمَ بِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَلْحَقُهُ وَلَدُ أَمَتِهِ وَإِنْ وَطِئَهَا، مَا لَمْ يُقِرَّ بِالْوَلَدِ، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ} إنَّمَا وَرَدَ فِي أَمَةٍ .. فَبَالَغَ الشَّافِعِيُّ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ يُجَوِّزُ إخْرَاجَ السَّبَبِ، وَأَطْنَبَ فِي أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ قَطْعِيَّةٌ .. وَكَوْنُهُ وَارِدًا لِبَيَانِ حُكْمِهِ، فَتَوَهَّمَ الْمُتَوَهِّمُ أَنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْعِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ).
وقال أيضا:
(مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي جَوَابٍ يَكُونُ أَعَمَّ مِنْ السُّؤَالِ: وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ الْقَوْلُ بِالْعُمُومِ، وَفُرُوعُ مَذْهَبِهِ تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَصَّ فِي " الْأُمِّ " فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ لِلْأَلْفَاظِ وَلَا تَعْمَلُ الْأَسْبَابُ شَيْئًا).
وقال الإمام جمال الدين الإسنوي في كتابه «نهاية السول شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول»:
(الشافعي رحمه الله نَص على أن السبب لا أثر له، فقال في «الأم» في باب ما يقع به الطلاق - وهو بعد باب طلاق المريض - ما نصه: «وما يصنع السبب شيئا؛ إنما يصنعه الألفاظ .. » هذا لفظه بحروفه، ومن «الأم» نقلتُه، فهذا نَصٌّ بَيِّنٌ).
< o:p>
وهذا يوضح لنا أن المعتبر إنما هو ما يَنُص عليه الإمام نصا، ولا يصح أن نخالف نصه لمجرد أنه لم يُطبق القاعدة في مسألة فرعية جزئية.
لماذا؟
لأن الإمام قد يكون لم يُطبق القاعدة في هذه المسألة الفرعية لأنه عَلِمَ بأدلة أخرى وقرائن صحيحة عنده – أن هذا الجزئية لا تنطبق عليها القاعدة.
بل والأغرب من ذلك أن يُفْهَم كلام الشافعي – في مسألة فرعية جزئية - فَهْما خاطئا يُتَوَهم منه بأنه يخالف في القاعدة
ثم يقول هذا الفقيه الذي فَهِم كلام الشافعي بطريق الخطأ:
(وَلَوْلَا سَبْقُ الشَّافِعِيِّ إلَى ذَلِكَ مَا كَانَ يَسْتَجِيزُ مُخَالَفَةَ تِلْكَ).
فهو أَوَّلًا فَهِمَ كلام الشافعي خطأ، ثم تَوَهم أن الشافعي يخالف القاعدة، ثم قرر أن الشافعي لابد أن له سَلَفًا في هذه المخالفة؛ لأن الشافعي لا يخترع قولا من عند نفسه!!!!
وقد كشف الإمام بدر الدين الزركشي عن ذلك في «البحر المحيط».
¥