4 - التعليق على بعض المسائل اللغوية والفقهية والحديثية مما كان التعليق عليها نافعًا.
5 - ترجمة الرواة الضعفاء في الأسانيد التي ساقها الخطيب تيسيرًا على القاريء وتسهيلا لمن رام الحكم على سند أثرٍ ما.
إلى غير ذلك مما تميز به التحقيق المذكور.
وقد كنتُ اطلعتُ على تحقيق شيخنا للكتاب أثناء تجارب الطبع النهائية فأعجبني حسن التحقيق والتعليق والدقة، وقد كان شيخنا معتنيًا بالكتاب عناية خاصة تميزت عن باقي تحقيقاته؛ فجزاه المولى عز وجل خيرًا.
فإنْ أتيتَ إلى ضبط النص؛ فالشيخ معروف به، فما بالُك إنْ أولى الكتابَ – زيادة عما عرف به من شدة اعتناءه بالنص – عنايةً خاصةً؟
وإنْ طالعتَ التخريج والتعليق على المسائل الحديثية تجد ما يسركَ بإذنه تعالى.
وزيادة على ما ذكر تجد الاهتمام بباقي الفنون ظاهرًا في التعليق على النص، فإنْ وجد الشيخُ بيتًا شعريًا مكسورًا أشار إليه، وإنْ وجد لفظا غريبا فسّره، وإنْ وجد ما يعسر فهمه أطال النَّفَس في شرح معناه، وإنْ مرَّت نسبة تحتاج إلى ضبطِ حرفٍ ضبطها، ذاكرًا المصادر، ... وليس الخبرُ كالعيان.
وقد قال الشيخ – وفقه الله تعالى – في مقدمته للتحقيق: ((فإني أحمد الله أولاً وآخراً، وظاهراً، وباطناً أنْ مكنني من إنْهاء هذا السِفْر العظيم، الذي مرّ عليَّ سنون في تحقيقه؛ إذْ عاودت العمل فيه مرةً بعد مَرّة في مُددٍ
متباعدة، حتى استكمل عندي نصاب المخطوطات، ولما تجمعت لدي بنعمة الله الهمة للتعليق على كثيرٍ من قضاياه أخرج بهذا الشكل. وقدْ دفعت الكتاب إلى المطبعة وأنا راضٍ عما فيه، فأسال الله أنْ يجعله في ميزان الحسنات، يوم تقل الحسنات وتكثر الزفرات يوم الحسرات.
وكتابنا هذا ((الكفاية في معرفة أصول علم الرواية)) ([1]) سِفْرٌ عظيم من أسفار المصطلح، وسفينةٌ من الفوائد فيه أعظم قضايا هذا العلم، بل هو أحد عُمَد هذا الفن، وقد طُبع هذا الكتاب مِنْ قَبْلُ طبعاتٍ عدة لا تليق بنفاسة الكتاب، ومكانة مؤلفه، وهو ما دفعني إلى العمل لإعادة تحقيقه بَعْد أنْ شرّفني الله U بخدمة عددٍ من كتب المصطلح، ولا سيما أنَّ كثيراً من الكتب التي تأخرت عن كتاب الخطيب قد اعتمدت عليه اعتماداً كبيراً؛ فكتاب ابن الصلاح الذي دار في فلكه الناس في علم المصطلح معتمدٌ فيه مؤلفه على كتاب الخطيب ((الكفاية في معرفة أصول علم الرواية)) وعلى مؤلفات الخطيب الأخرى، وكان هذا محفزاً لي لإعادة تحقيق الكتاب تحقيقاً يناسب المكانة التي تبوأها كتاب الخطيب. وأنا منذ عشر سنين أتطلع إلى تحقيقه ونشره لتعم فوائده وترتجى عوائده ولتقيد ما فيه من هنّات يسيرة؛ حتى أتم الله عليَّ النعمة، فتم الكتاب على الوجه الذي أراه مناسباً بعد أنْ بذلتُ فيه جهداً ليس باليسير.
والمؤلَّف رمزٌّ على المؤلِّف؛ إذ قد ظهرتْ في هذا الكتاب شخصيةُ الخطيب كما ظهرت في بقية كتبه، وكتابه هذا نال حظاً أوفر منْ بقية الكتب بعدَ التأريخ، على أنَّ جميعها مؤلفات الخطيب امتازت بالجودة والأصالة والحداثة والجدة والفاعلية ([2]) والتخصص في بحث موضوع بعينه في كل مصنف من مصنفاته، بحيث لا يتناول الخطيب في ذلك المصنَّف غيره، وبعد استكمال أدوات التخصص الدقيق فإنَّ الخطيب يحيط بذلكم المصنف أحاطة واسعة، ويتشعب به حتى يشبعه بحثاً ويُحيط الباحث به إحاطةً واسعةً.
ثم لا يخفى على الباحثين الجادين ما للخطيب البغدادي من مكانة علمية، فقد كان على قدر كبير من وفور العقل والاشتغال بما ينفعه مع الحرص الشديد على الوقت، والحفاظ على أنفاس العمر بالعمل النافع، وقد دلَّ على ذلك ما قدم للناس من عطاء علمي وافر.
والخطيب قد حباه الله بشخصية فذة جمعت بين الجد والتقى وحسن السيرة، وقد كان مثالاً للشخصية العلمية النادرة، ومن الأدلة على ذلك كتابه الذي بين أيدينا وهو القائل: ((من صنَّف فقد جعل عقله في طبق يعرضه على الناس)) ([3]) كل ذلك كان سبباً للعمل في هذا الكتاب نصحاً للأمة واحتراماً لتراثها ودفعاً لغوائل التشويه عما قدمه أفذاذها بانين بذلك عزها ومجدها، ولم يكن جهدي منصباً على تحقيق النص، فقد جهدت في تحرير المسائل والتعليق على ما يستحق التعليق من غير اختصار ولا تطويل، وقد قدمتُ للكتاب بدراسة متوسطة دالة على سيرة
¥