وكذا من أخذ في البيوع الربوية بمن يتحيل عليها، وفي الطلاق ونكاح التحليل بمن توسع فيه، وشبه ذلك فقد تعرض للانحلال، فنسأل الله العافية والتوفيق.
ولكن: شأن الطالب أن يدرس أولا مصنفًا في الفقه، فإذا حفظه، بحثه، وطالع الشروح، فإن كان ذكيًا فقيه النفس، ورأى حجج الأئمة، فليراقب الله وليحتط لدينه، فإن خير الدين الورع، ومن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، والمعصوم من عصمه الله.
إلى أن قال الذهبي رحمه الله:
ولكن هذا الإمام الذي هو النجم الهادي قد أنصف وقال قولا فصلا، حيث يقول: كل أحد يؤخذ من قوله، ويترك، إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم.
ولا ريب أن كل من أنس من نفسه فقهًا، وسعة علم، وحسن قصد، فلا يسعه الالتزام بمذهب واحد في كل أقواله، لأنه قد تبرهن له مذهب الغير في مسائل، ولاح له الدليل، وقامت عليه الحجة، فلا يقلد فيها إمامه، بل يعمل بما تبرهن، ويقلد الإمام الآخر بالبرهان، لا بالتشهي والغرض.
(57)
(ترجمة مالك رحمه الله)
ابن المبارك يقول: ما رأيت أحدًا ارتفع مثل مالك، ليس له كثير صلاة ولا صيام، إلا أن تكون له سريرة.
قال الذهبي رحمه الله:
قلت: ما كان عليه من العلم ونشره أفضل من نوافل الصوم والصلاة لمن أراد به الله.
(58)
(ترجمة ابن المبارك رحمه الله)
الفضل بن محمد الشعراني: حدثنا عبدة بن سليمان قال: سمعت رجلا يسأل ابن المبارك عن الرجل يصوم يومًا ويفطر يومًا؟
قال: هذا رجل يضيع نصف عمره، وهو لا يدري.
يعني لم لا يصومها.
قال الذهبي رحمه الله:
قلت: أحسب ابن المبارك لم يذكر حينئذ حديث: (أفضل الصوم صوم داود) ولا حديث: النهي عن صوم الدهر.
(59)
(ترجمة الفضيل رحمه الله)
وعنه: يا مسكين! أنت مسيء وترى أنك محسن! وأنت جاهل وترى أنك عالم! وتبخل وترى أنك كريم! وأحمق وترى أنك عاقل! أجلك قصير وأملك طويل.
قال الذهبي رحمه الله:
قلت: إي والله صدق، وأنت ظالم وترى أنك مظلوم! وآكل للحرام وترى أنك متورع! وفاسق وتعتقد أنك عدل! وطالب العلم للدنيا وترى أنك تطلبه لله!
(60)
(ترجمة الفضيل رحمه الله)
قال الذهبي رحمه الله:
قلت: إذا كان مثل كبراء السابقين الأولين قد تكلم فيهم الروافض والخوارج! ومثل الفضيل يتكلم فيه! فمن الذي يسلم من ألسنة الناس؟ لكن إذا ثبتت إمامة الرجل وفضله لم يضره ما قيل فيه، وإنما الكلام في العلماء مفتقر إلى وزن بالعدل والورع.
وأما قول ابن مهدي: لم يكن بالحافظ، فمعناه: لم يكن في علم الحديث كهؤلاء الحفاظ البحور، كشعبة، ومالك وسفيان، وحماد، وابن المبارك، ونظرائهم، لكنه ثبت قيم بما نقل، ما أخذ عليه في حديث فيما علمت.
وهل يراد من العلم إلا ما انتهى إليه الفضيل رحمة الله عليه؟!
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى ..
ـ[حسن عبد الحي]ــــــــ[21 - 08 - 08, 11:45 ص]ـ
(61)
(ترجمة وكيع رحمه الله)
الفضل بن محمد الشعراني: سمعت يحيى بن أكثم يقول: صحبت وكيعًا في الحضر والسفر، وكان يصوم الدهر، ويختم القرآن كل ليلة.
قال الذهبي رحمه الله:
قلت: هذه عبادة يخضع لها، ولكنها من مثل إمام من الأئمة الأثرية مفضولة، فقد صح نهيه عليه السلام عن صوم الدهر، وصح أنه نهى أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث، والدين يسر، ومتابعة السنة أولى، فرضي الله عن وكيع، وأين مثل وكيع؟! ومع هذا فكان ملازمًا لشرب نبيذ الكوفة الذي يسكر الإكثار منه فكان متأولا في شربه، ولو تركه تورعًا، لكان أولى به، فإن من توقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، وقد صح النهي والتحريم للنبيذ المذكور، وليس هذا موضع هذه الأمور، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، فلا قدوة في خطأ العالم، نعم ولا يوبخ بما فعله باجتهاد، نسأل الله المسامحة.
(62)
(ترجمة وكيع رحمه الله)
يحيى يقول: من فضل عبد الرحمن بن مهدي على وكيع، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
قال الذهبي رحمه الله:
قلت: هذا كلام ردئ، فغفر الله ليحيى، فالذي أعتقده أنا أن عبد الرحمن أعلم الرجلين وأفضل وأتقن، وبكل حال هما إمامان نظيران.
(63)
(ترجمة وكيع رحمه الله)
وعن مليح بن وكيع قال: لما نزل بأبي الموت أخرج يديه، فقال: يا بني ترى يدي، ما ضربت بهما شيئًا قط.
¥