قلت: حب ذات الحديث، والعمل به لله مطلوب من زاد المعاد، وحب روايته وعواليه والتكثر بمعرفته وفهمه مذموم مخوف، فهو الذي خاف منه سفيان، والقطان، وأهل المراقبة، فإن كثيرًا من ذلك وبال على المحدث.
(51)
(ترجمة الثوري رحمه الله)
وعنه: من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه، لا يلقها في قلوبهم.
قال الذهبي رحمه الله:
قلت: أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطّافة.
(52)
(ترجمة حسن بن صالح رحمه الله)
قال وكيع: حسن بن صالح عندي إمام، فقيل له: إنه لا يترحم على عثمان.
فقال: أفتترحم أنت على الحجاج؟
قال الذهبي رحمه الله:
قلت: لا بارك الله في هذا المثال.
ومراده: أن ترك الترحم سكوت، والساكت لا ينسب إليه قول، ولكن من سكت عن ترحم مثل الشهيد أمير المؤمنين عثمان، فإن فيه شيئًا من تشيع، فمن نطق فيه ببغض وتنقص هو شيعي جلد يؤدب، وإن ترقى إلى الشيخين بذم، فهو رافضي خبيث، وكذا من تعرض للإمام علي بذم، فهو ناصبي يعزر، فإن كفّره فهو خارجي مارق، بل سبيلنا أن نستغفر للكل ونحبهم، ونكف عما شجر بينهم.
(53)
(إبراهيم بن أدهم رحمه الله)
عن طالوت: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: ما صدق اللهَ عبدٌ أحب الشهرة.
قال الذهبي:
قلت: علامة المخلص الذي قد يحب شهرة، ولا يشعر بها، أنه إذا عوتب في ذلك، لا يحرد ولا يبرئ نفسه، بل يعترف، ويقول: رحم الله من أهدى إلي عيوبي، ولا يكن معجبًا بنفسه، لا يشعر بعيوبها، بل لا يشعر أنه لا يشعر، فإن هذا داء مزمن.
(54)
(ترجمة زفر رحمه الله)
قال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا عبد الواحد بن زياد قال: لقيت زفر رحمه الله، فقلت له: صرتم حديثًا في الناس وضحكة.
قال: وما ذاك؟ قلت: تقولون: "ادرؤوا الحدود بالشبهات"، ثم
جئتم إلى أعظم الحدود، فقلتم: تقام بالشبهات.
قال: وما هو؟ قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقتل مسلم بكافر) فقلتم: يقتل به -يعني بالذمي- قال: فإني أشهدك الساعة أني قد رجعت عنه.
قال الذهبي رحمه الله:
قلت: هكذا يكون العالم وقّافًا مع النص.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى ..
ـ[حسن عبد الحي]ــــــــ[20 - 08 - 08, 10:57 ص]ـ
(55)
(ترجمة مالك رحمه الله)
ابن سعد: حدثنا الواقدي قال: لما دعي مالك، وشوور، وسمع منه، وقبل قوله، حسد، وبغوه بكل شيء، فلما ولي جعفر بن سليمان المدينة، سعوا به إليه، وكثروا عليه عنده، وقالوا: لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء، وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت بن الأحنف في طلاق المكره: أنه لا يجوز عنده، قال: فغضب جعفر، فدعا بمالك، فاحتج عليه بما رفع إليه عنه، فأمر بتجريده، وضربه بالسياط، وجبذت يده حتى انخلعت من كتفه، وارتكب منه أمر عظيم، فوالله ما زال مالك بعد في رفعة وعلو.
قال الذهبي رحمه الله:
قلت: هذا ثمرة المحنة المحمودة، أنها ترفع العبد عند المؤمنين، وبكل حال فهي بما كسبت أيدينا، ويعفو الله عن كثير، (ومن يرد الله به خيرًا يصب منه)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل قضاء المؤمن خير له) وقال الله تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين}، وأنزل تعالى في وقعة أحد قوله: {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا، قل هو من عند أنفسكم}، وقال: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.
فالمؤمن إذا امتحن صبر واتعظ، واستغفر ولم يتشاغل بذم من انتقم منه، فالله حكم مقسط، ثم يحمد الله على سلامة دينه، ويعلم أن عقوبة الدنيا أهون وخير له.
(56)
(ترجمة مالك رحمه الله)
قال مالكي: قد ندر الاجتهاد اليوم وتعذر، فمالك أفضل من يقلد، فرجح تقليده.
وقال شيخ: إن الإمام لمن التزم بتقليده، كالنبي مع أمته، لا تحل مخالفته.
قال الإمام الذهبي رحمه الله:
قلت: قوله لا تحل مخالفته: مجرد دعوى، واجتهاد بلا معرفة، بل له مخالفة إمامه إلى إمام آخر، حجته في تلك المسألة أقوى، لا بل عليه اتباع الدليل فيما تبرهن له، لا كمن تمذهب لإمام، فإذا لاح له ما يوافق هواه، عمل به من أي مذهب كان، ومن تتبع رخص المذاهب وزلات المجتهدين فقد رق دينه، كما قال الأوزاعي أو غيره: من أخذ يقول المكيين في المتعة، والكوفيين في النبيذ، والمدنيين في الغناء، والشاميين في عصمة الخلفاء، فقد جمع الشر.
¥