تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المكتب، فيتعلم القرآن، وأحاديث الأخيار، وحكايات الأبرار وأحوالهم؛ لينغرس في نفسه حُبُّ الصالحين؛ ويُحْفَظ عن الأشعار التي فيها ذِكْرُ العشق وأهله، ويُحفظ عن مُخالطة الأدباء الذين يزعمون أن ذلك مِنْ رِقَّة الطبع؛ فإن ذلك يُنْبت في قلبه بَذْر الفساد.

وينبغي أن يُمنع عن النوم نهارًا؛ فإنه يُورِث الكسل، ويُمنع من أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يملكه والده، أو بشيء من مطاعمه وملابسه، أو لَوْحه، أو دَوَاته، بل يُعَوَّد التواضع والإكرام لكل مَنْ عاشَرَه، والتَّلَطُّف في الكلام معه، ويُمنع من أن يأخذ من الصبيان أو غيرهم شيئًا، بل يُعَلِّمه أن الرِّفْعَة في الإعطاء، لا في الأخذ، وأن الأخذ خِسَّةٌ ودَنَاءةٌ إن كان من أولاد المُحْتَشِمين، وإن كان من أولاد الفقراء، فيُعَلَّمُ أن الطَّمَع والأخذ مَهانةٌ وذِلَّة، وأن ذلك من دَأب الكلاب؛ وألاَّ يَمْتَخِط أو يَبْصُق في مجلس غيره، ولا يَسْتَدْبِر غيره، ولا يَضَع رِجْلاً على رِجْل، ولا يَضع كَفَّه تحت ذَقْنِه، ولا تحت رأسه؛ فإن ذلك دليل الكَسَل، ويُعَلَّم كيفية الجلوس، ويُمْنَع كثرة الكلام، ويُبَيَّنُ له أن ذلك فِعْلُ أبناء اللِّئام، ويُمْنَعُ من الحَلِف رأسًا، صادقًا كان أو كاذبًا؛ حتى لا يَعْتاد ذلك في الصِّغَر، ويُمْنع من أن يَبْتَدِأ الكلام؛ ويُعَوَّدُ ألاَّ يتكلم إلاَّ جوابًا، وبِقَدْر السُّؤال، وألاَّ يُهْمِل كلام مَنْ خاطبه، وأن يقوم لمَنْ فوقه، ويُوَسِّع له المكان، ويجلس بين يديه؛ ويُمْنَع مِنْ لَغْو الكلام وفُحْشه، ومن اللعن والسَّب، ومِنْ مُخَالطة مَنْ يجري على لسانه شيءٌ مِنْ ذلك؛ فإنه يَسْرِي لا مَحالة إليه من قُرَناء السوء.

نصائح للمعلم:

وينبغي للمُعَلِّم أن يَمنعه من الصُّراخ، والتَّشَفُّع بالناس عند الضرب، ويُقَبِّح ذلك عنده، وألاَّ يُلْجِئه إلى التَّعَلُّم دائمًا، وإلاَّ كان مُتسببًا في موت قلبه، وإبطال ذكائه، وتَنْغِيص عَيْشه حتى يَطلب الحِيلَة في الخَلاص منه رأسًا [5]؛ وأن يُعَلِّمه طاعة والديه، ومُعَلِّمه، وكل مَنْ هو أكبر مِنه سنًّا، مِنْ قَريبٍ وأجنبي [6]، وأن يَنْظر إليهم بعين الإجْلال والتعظيم [7]؛ وأن يُعَلَّم ترك اللعب بين أيديهم.

وينبغي أن يُعلم كل ما يحتاج إليه من حُدود الشَّرع، ويُخَوَّف من السَّرقة وأكل الحرام، ومن الخيانة والكذب والفُحْش، وكل ما يَغلب على الصبيان، وألاَّ يتسامح في ترك الطهارة والصلاة، ونحوهما.

توجيهات للمعلم في كيفية الثواب والعقاب:

ثمَّ مهما ظهر منه خُلق جميل، وفعل محمود، فينبغي أن يُكْرَم عليه، ويُجازى عليه بما يفرح به، ويُمْدَح به بين الناس، فإن خالف ذلك في بعض الأحوال مرة واحدة، فينبغي أن يَتغافل عنه، ولا يَهْتِك سِتْرَه، ولا يُظْهِر له أنه اطَّلَع عليه، لا سِيَّما إذا بالغ الصبي في إخفائه وسِتْرِه؛ فإن إظهار ذلك ربما يُفيده جَسَارة حتى لا يُبالي بالمُكاشفة، فعند ذلك إن عاد ثانيًا ينبغي أن يُعاتبه سرًّا، ويُعَظِّم الأمر فيه، ويقول له: إيَّاك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا، فتفتضح بين الناس.

ولا يُكثر العِتاب عليه في كل وقت؛ فإنه يُهَوِّن عليه سماع المَلامَة، ورُكوب القبائح، فإذا عاد، أَدَّبَه بما يليق به، من توبيخه، وتأخيره عن الأولاد في النزول من المكتب، وضربه بما يكون جِرْمُه و رُطُوبَتُه مُعْتَدِلَين عُرْفًا، ونحو ذلك.

ولا يَضْرب ضربًا مُبرِّحًا - وهو ما يَعْظُمُ أَلَمُه - وإن لم يُفِد إلاَّ هو، ولا يَرْتَقي لمرتبة من مَراتب التأديب وهو يَرى ما دُونها كافيًا، وعليه أن يَتَّقِيَ الضرب على المَهَالك والوجه [8]؛ هذا مُلَخَّص ما في إحياء العلوم بنوع زيادة. [9]

وفي رسالة العلاَّمة ابن حَجَر [10] فيما يَحتاج إليه مُؤَدِّب الأطفال من الأحكام ما مُلَخَّصُه: لا يَجوز للمُعلم ضربُ الصغير إلا إن أَذِن له أبوه، وإن عَلا، قال الرَّافِعِي [11]: ومثله الأم، أي: وإن عَلَتْ، ويجب حثُّ الصَّبي في كفالته؛ أَخْذًا مما قالوه في تعليم أحكام الصلاة، والضرب عليها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير