تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[هل للرذائل أسباب اقتصادية؟]

ـ[ابو ز كريا الجزا ئري]ــــــــ[24 - 10 - 08, 12:44 م]ـ

الشيخ محمد الغزالي يبين تأثير أزمات اقتصادية على المجتمعات في كتابه

الإسلام و أوضاع الإقتصادية

لعقائد الدافعة إلى العمل الصالح والخلق الفاضل، هى لُباب الدِّين، ومحور تعاليمه. وغاية ما يصبو إليه الدين، أن يجد الجو الملائم لغرس عقائده وظهور آثارها من خلق وعمل .. فإذا ضمنا هذا الجو الرَّحْب، فقد أمكن الدين أن يحقق رسالته. وإلا فالدين لا يعدُو أن يكون بضاعة ئباع للناس فى بطون الكتب، أو كلامًا تنقله طائفة من الرجال فى حلقات الوعظ، وخطب المنابر لا يثمر غير التوجيه النظرى. ويكون الدين حينئذ موجودًا على هامش الحياة فقط. وقد رأيت بعد تجارب عدة، أننى لا أستطيع أن أجد بين الطبقات البائسة الجوَّ الملائم لغرس العقائد العظيمة، والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة!!. إنه من العسير جدًا أن تملأ قلب إنسان بالهدى، إذا كانت معدَتُه خالية أو أن تكسوه بلباس التقوى، إذا كان بدنه عاريًا. إنه يجب أن يّؤَّمَن على ضروراته التى تقيم أؤده كإنسان، ثم يُنتظر بعدئذ، أن تستمسك فى نفسه مبادئ الإيمان. كثيرًا ما وَجَدتُنى أعالج وعْظ الناس فى بيئات صرعَها الفقر والمرض والجهل. فكنت أحار .. ماذا أقول لهم؟!!. هل أُقبِّح لهم الدنيا، كما يظن أنه مفروض على علماء الدين؟!. إن الدنيا لن تكون أقبح مما عليه فى أعين هؤلاء التعَسَاء. وحاجتهم إلى من يعرِّفهم أركان الحياة، أمسُّ من حاجتهم إلى من يعرَّفهم أركان الإسلام .. وجمهورهم لا يدرى الأساليب الصحيحة للزراعة والصناعة والتجارة .. فضلا عن أن يعرف كيف يعامل ربه وإخوانه و ... حكامه!. أعرفهم بالله عز وجل؟ .. إن معرفة الله لا سبيل إليها بعد معرفة النفس، فإن من عرف نفسه عرف ربه.

ـ[ابو ز كريا الجزا ئري]ــــــــ[24 - 10 - 08, 12:47 م]ـ

وينطلقون فى المدائن والقرى يبشرون ويخطبون.

فهل وصلنا ـ بعد هذا المجهود المادى والأدبى الواسع ـ إلى درجة من الرقى، والسلامة الاجتماعية، كالتى وصلت إليها بعض الدويلات الأوروبية مثل سويسرا مثلا؟ كلا .. !. فشتان بين عدد الجرائم عندنا وعددها عندهم .. ! وما أضخم القضايا التى تنظرها المحاكم عندنا، من جنايات، وجنح، ومخالفات!. والعلة الأصلية فى هذا أن اختلال التوازن المادى والأدبى، مكن لشياطين الإجرام أن تعمل وتنجح. فكيف لا يتدخل الدين فى تغيير هذه الحال، إن أراد لنفسه البقاء، ولرسالته التحقيق؟! بل كيف يستغل الدين لإبقاء هذه الحال المنكرة؟!! وهل معنى ذلك إلا أنه ينكر نفسه ويخفض رأسه ويحفر رمسه؟؟!! ولنضرب مثلا ببعض الجرائم الشائعة لنرى مصداق ما قلنا.

السرقة:

جريمة خلقية واجتماعية كبيرة، رتب عليها الدين عقوبة دنيوية، تتراوح بين قطع اليد، وقطع العنق، عندما تكون السرقة فى الخفاء، أو عندما يكون صاحبها مدمن اختلاس أو عندما تكون السرقة غصبا بالإكراه كما يعبر القانون الحديث. وعقاب كهذا ليست به شائبة قسوة مادام القصد من تنفيذه تأمين الحقوق، وصيانة الجهود، وتوجيه الناس إلى العيش من كسبهم الحلال، لا السطو على كسب غيرهم، والعيش به من حرام. ولكن هذه الأغراض كلها تذوب فى مجتمعنا الذى يزخر بأسباب التملك الباطل، ووسائل الاستغلال المريب .. فإذا قامت حول الجريمة شبهات، تجعل العقاب لا يحقق هذه المصالح وجب وقفه. وامتنعت إقامته. ومن هنا أمر النبى- صلوات الله عليه وسلامه- أن ندرأ الحدود بالشبهات. وأمر عمر رضى الله عنه أن يعطل حد السرقة فى عام المجاعة! ورأى أئمة الفقه أن دعوى الملك فى المسروق، تمنع من الحد ـ مادامت شبهة الملك معتبرة!

ـ[ابو ز كريا الجزا ئري]ــــــــ[24 - 10 - 08, 12:48 م]ـ

قصد الشارع من وراء هذا الاحتياط ألا تقطع إلا اليد الظالمة الآثمة. يد اللص المعتدى على حق غيره يسرقه، غير قانع بما عنده، وهو يكفيه ويغنيه. والمجرمون الذين يُعدُّون من هذا النوع قلائل .. بل إنهم يعدون على الأصابع من بين الالآف، التى تقدم إلى المحاكم .. روى مالك بن أنس فى الموطأ أن رقيقًا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مُزَيْنَة فانتحروها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأمر عمر كُثَيَّر بن الصلت بقطع أيديهم ... !! ثم قال عمر: أراك تجيعهم؟! والله لأغرمنك غُرْمًا يشق عليك. ثم قال للمزنى: كم ثمن ناقتك؟ فقال: قد كنت- والله- أمنعها من أربعمائة درهم!. فقال عمر لحاطب: أعطه ثمانمائة درهم .. !! قال ابن وهب: إن عمر- بعد أن أمر كُثَيِّر بن الصلت بقطع أيدى الذين سرقوا- أرسل وراءه من يأتيه بهم (ليرفع الحدَّ عنهم). فلما جىء بهم قال لعبد الرحمن بن حاطب: لولا أنى أظنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى لو وجدوا ما حرم الله لأكلوه لقطعتهم. ولكن والله إذ تركتهم لأغرمنك غرامة توجعك، .. من هذا الأثر ترى أن عمر فهم تشريع القطع على حقيقته. فهم أنه عقوبة رادعة لمن يرتكب هذه الجريمة من غير حاجة تلجئه إلى مال الغير. وحين تبين له أن هؤلاء الغلمان اضطروا إلى السرقة- لما نالهم من جوع وحرمان- أبعد الحد عنهم. وإذا أسقط الحد عن هؤلاء المرهقين ضاعف العقوبة على رب المال الذى أساء الامتلاك، وكان بأثرته- علة هذا الاضطراب فى المجتمع ... !! والاضطراب الاجتماعى الخطير فى هذا الوادى، هو الذى يصم باللصوصية أقوامًا، كان من الممكن ألا يوصموا بها قط، ويُبَرِّئ من اللصوصية أقوامًا، كان ينبغى ألا تنفك عنهم أبدًا. وما أكثر بلاد الإسلام التى يغلب عليها هذا الاضطراب والتناقض

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير