تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[ابو ز كريا الجزا ئري]ــــــــ[24 - 10 - 08, 12:52 م]ـ

عل أيسر الأمور إقامة مجتمع تقل فيه جرائم السرقة أو تختفى، لا بالإرهاب والقطع والقتل، ولكن بمنع الأسباب غير النفسية، أى بمنع الأسباب المادية، التى تُلجِئ إلى السرقة فى أغلب الأحيان. عندما تفتح أبواب العمل، وتضبط مصادر الكسب، وتحدد أسباب الملكية وقيمتها. وعندما يعرف نور الحياة ونورالعلم طريقه إلى المشردين من أبناء الأمة. وعندما يحول تعطل الطبقات المترفة إلى عمل، ونستثمر أموالها فى المشروعات التى يفيدون بها ويفيدون منها ... عندئذ تقل جرائم السرقة حقًا! ويومئذ يستحق السارقون أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف.

الزنا:

جريمة خلقية واجتماعية بالغة الفحش، ولعل الاختلال الاقتصادى- بما يخلقه من بؤس وترف- أهم الأسباب المؤدية إلى انتشار هذه الجريمة، حتى نظم القانون العام وقوعها أوقات ارتكابها، ومع من ترتكب. واعتبرت أسواق البغاء العلنى وحفلات الليالى الساهرة، من الأمور المعتادة للطبقات الصغيرة وللطبقات الكبيرة، غير آبهين للصياح المختنق، الذى يرسله رجال الدين، بين الحين والحين. ومواجهة هذه المشكلة لا تكون بالاستنكار السلبى، فما أسهل هذا الاستنكار على متعودى الخطب الوعظية، وما أحقر أثره فى تغيير الواقع الأثيم. إن الشهوة الجنسية لابد أن تتحرك، فإذا لم تتح لها الحركة الطيبة، لم يبق أمامها غير الحركة الخبيثة. والعصمة المؤقتة أو الدائمة عند بعض الرجال الفضلاء، أو الرجال الهادئين لا يصح الالتفات إليها عند وضع تشريع عام يراد به حفظ عفاف الأمة، وصيانة قوى الشباب المادية والأدبية والعقلية

فإذا أردنا- باسم الدين- قمع الحركات الخبيثة الجنسية، فيجب أن نيسر وأن ننظم أسباب الاتصال الجنسى الحلال، وأن نفرغ من العمل على وضع الحلول الصحيحة لهذه المشكلة المعقدة، ولن يكون إلا بإعادة النظر فى فهم حقيقة الزواج، والأساليب العسيرة، التى يتم بها الآن. إن إتاحة الزواج للراغبين مسألة لا تقل عن ضمان الأقوات للشعوب، وعندى أن وزارة التموين لا تمثل إلا نصف المشكلة المادية وأن شئون الزواج والأسرة تحتاج إلى وزارة أخرى. والطبقات الفقيرة والمتوسطة، تواجه مع الزواج ثلاث مشكلات، فالمهر عقبة، وقد يسهل اجتيازها، فتبقى مشكلة الدخل الذى يصون البيت الجديد والأسرة الناشئة، ثم تبقى مشكلة الدخل الواسع، الذى يكفل حياة أولاد تجب تغذيتهم وتربيتهم على خير وجه .. هذه كلها عوائق اقتصادية، لا يقوى الدين بالكلام على حلها. وإنما يفرغ الدين منها عندما يبنى المجتمع، الذى لا يبقى فيه فقير ولا حقير، والذى يقدم للفرد الضمانات المعقولة، لكفالة أسرته، ورعاية مستقبلها والذى يسخر فيه إنتاج الأمة، لإسعاد الأمة كلها؛ لا لترف بضعة أفراد منها. فإذا تم ذلك، تم القضاء على نسبة ضخمة من جرائم الزنا، وإذا صودرت أسباب الترف لدى المترفين، تم القضاء كذلك على جزء آخر من مظاهر الفسق والخلاعة والتحلل. فمن أبى إلا ارتكاب الفاحشة بعد أن مهَّدْنَا له طريق الفضيلة، وَجَبَ جَلْدُهُ أو رَجْمُهُ. بل وجب قتله رميًا بالرصاص!.

التعطل:

هو جريمة خلقية واجتماعية، تصاب الأمم من جرائها بشرِّ مستطير. وقد نهى الدين عنه، ووصى بأن يعمل المرء أى عمل يقيم أوده، ويحفظ حياته وكرامته. والتعطل نوعان: تعطل المترفين، أصحاب القناطير المقنطرة من الذهب والفضة. وقد أشرنا إلى الأضرار الناجمة من ترك هؤلاء بلا عمل يشتغلون به، والنكبات التى تصيب الشعوب والأمم من وراء تبطلهم!

لما كان لابد من سد ذرائع للفساد، وجب الحجر على هؤلاء السفهاء وضغط حرياتهم الشخصية، حتى يتحولوا أفرادا منتجين، وحتى تكون ثرواتهم المدخرة، مصادر خير لهم ولغيرهم. وهناك تعطل آخر منتشر بين الطبقات الفقيرة، وينتظم الألوف المؤلفة من أبنائها، وتأوى إليه جرائم التسول والتشرد، والفساد والعدوان. وحاجة هؤلاء إلى العمل الشريف لا ريب فيها، وفائدة الدولة من استغلال هذه القوى المضيعة لا ريب فيها كذلك. وإنى لأظن تأخر الشرق الإسلامى يعود إلى التعطل الفاشى فى مختلف أقطاره، وإلى القوى المهدرة التى حبسها الشلل فى جلود أصحابها فهم أحياء أموات.!! المفروض أن الإنسان عنصر من عناصر الإنتاج، وأن ثمرة وجوده تبدو فى إثارة الأرض التى يعيش فوقها. لكننا نرى الألوف المؤلفة مخلدين إلى الكسل لأنه لا عمل لهم، ولا احتراف .. وقد يكون بعضهم محزونا حائزا لأنه يبحث عن مورد رزق فلا يجد ... وقد يكون بعضهم قد تبلد لطول ما كف البطالة. وليس أعجز من مجتمع تراق فيه الثروة البشرية على هذا النحو الشائن، خصوصا إذا كانت أرضه حافلة بالدفائن النفيسة التى يجب استخراجها مهما تكلفت من جهد، وتطلبت من عون أو كانت الرقعة المزروعة يمكن زيادتها واستنبات الطيبات منها. ومن الحماقة التهوين من مصيبة البطالة، أو من آثارها المادية والمعنوية. إن العمل الكثير المنظم يدارى فتوقا كثيرة، وإنى لأعتقد أن عورات النظام الشيوعى ما يسترها إلا العمل الدءوب الموصول الذى جندت له الجماهير وسيق له الرجال والنساء والشيوخ والولدان. أما لدينا .. فجزء ضخم من الأمة لا يعمل!!، وجزء أضخم من صاحبه يعمل أقل مما يجب عليه ومما تطيقه قواه! وتلك حال لا يقبلها الإسلام بل ويستحيل أن تنهض معها أمته!. والحكومات فى هذا العصر هى المسئولة عن تمهيد ميادين العمل، وعن تقريب مناله لكل طالب، بل عن تحميل أعبائه لكل كاهل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير