إن الفرد في المجتمع الإسلامي، وبسبب ضعف العلاقات الاجتماعية لا تقدم
له الضمانات والمبررات التي تجعله يقدم أقص طاقاته، وكيف يقدمها وهو يرى
الأنانية والتنافس البغيض، وقلة التشجيع، والأهم من ذلك هو عدم وجود الخبرة
الكافية في العلاقات والانعكاسات التي تنظم استخدام الطاقة الحيوية في مستوى الفرد
وفي مستوى المجتمع [5] إن الذي يخطط للنهوض بالمجتمع الإسلامي يجب أن
يكون لديه أفكار. جد واضحة عن هذه الأمور، كما أن عليه أن يكون خالياً من
العقد البيروقراطية التي تنتاب الموظف، ومن أخلاق المغرمين بتملق الرأي العام [6]
فعملية بناء كيان اجتماعي ليس بالأمر السهل، لأن العقد النفسية كما يؤكد العالم
الأمريكي (مورينو) هي في العلاقة بين الأفراد فيما بينهم وليس داخل الفرد كما
يقول (فرويد) [7] وكل علاقة فاسدة بين الأفراد. تولد فيما بينهم عقدا كفيلة بأن
تحبط أعمالهم الجماعية [8] فالذين يستطيعون ربط العوالم الثلاثة في توافق واتزان
هم الذين يستطيعون تحريك القوى جميعاً في حركة دائمة الصعود، وهذا بطبيعة
الحال لا يأتي إلا عن صف وصفه الله سبحانه وتعالى بأنه] كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ
مَّرْصُوصٌ [[9].
توجيه الثقافة:
في هذه المرحلة المهمة من البناء يرى مالك بن نبي أنه لابد من توجيه أمور
ثلاثة:
1 - الثقافة.
2 - العمل.
3 - رأس المال.
فالانتقال من حالة الجمود إلى الحركة باتجاه حضارة لا يحتمل التجارب
الفاشلة، والمسلم بسبب عقدة تخلفه يظن أن تخلفه يتمثل في نقص ما لديه من
(أشياء) ولا يرده إلى الأفكار [10] بينما الحقيقة أن النشاط يصاب بالشلل عندما
يدير ظهره للفكرة، كما أن الفكرة تصاب بالشلل إذا ما انحرفت عن النشاط،
ونحن لا نستطيع بصفة عامة أن نعتبر عدد الكتب التي تخرجها المطبعة في عام
دليلا على الصحة العقلية في بلد معين، فلا بد من برنامج لتوجيه الثقافة [11].
يعرف مالك بن نبي فكرة (التوجيه) فيقول: (قوة في الأساس وتوافق في
السير، ووحدة في الهدف، فكم من طاقات وقوى لم تستخدم لأننا لا نعرف كيف
نكتلها، وكم من طاقات وقوى ضاعت فلم تحقق هدفها، حين زحمتها قوى أخرى
فالتوجيه هو تجنب الإسراف في الجهد وفي الوقت، فهناك ملايين السواعد العاملة
والعقول المفكرة في البلاد الإسلامية صالحة لأن تستخدم في كل وقت، والمهم هو
أن ندبر هذا الجهاز الهائل في أحسن الظروف الزمنية [12]
توجيه الثقافة:
الثقافة مصطلح حديث النشأة وهي مرادفة لكلمة ( Culture) الإنكليزية،
ويستخدمها كثير من الناس بمعنى (العلم) ولكن مدلولها أوسع من العلم، وقد عرفها
مالك بن نبي بأنها (مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تؤثر في
الفرد منذ ولادته وتصبح لا شعورياً العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في
الوسط الذي ولد فيه) [13] فهي المحيط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته،
وهي المحيط الذي يعكس حضارة معينه، والتعلم جزء من الثقافة، وعندما يصبح
الهدف هو الحصول على شهادات فنحن بإزاء مرض اسمه (التعالم) ونحن قد نجد
رجلا يحمل شهادات عالية ولكن ليس عنده فعالية وقدرة على حل المشكلات، بينما
نجد رجلا آخر مثله في بلد آخر عنده هذه القدرة بسبب الثقافة التي تلقاها منذ صغره،
فالثقافة نظرية في السلوك أكثر من أن تكون نظرية في المعرفة، هذه الثقافة كيف
نوجهها؟ كيف نركبها من أجزائها حتى تؤتي ثمارها؟ الشرط الأول لتحقيق
مشروع ثقافي هو الصلة بين الأشخاص، وهاهو القرآن يعطينا! فكرة عن أهمية
هذه الصلة] لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ
بَيْنَهُمْ [فأساس كل ثقافة هو بالضرورة (تركيب) و (تأليف) لعالم الأشخاص طبقا
لمنهج تربوي، أي أننا نريد للثقافة أن تكون وظيفة، لبناء جيل مسلم تقوم على
أكتافه الحضارة الإسلامية (فالتعليم الفرنسي في الجزائر لم يمنح الجيل الجزائري
الفعالية لأن الثقافة لا تشكل على مقاعد الدراسة، واكن ضمن مجموع الإطار
الاجتماعي الثقافي الذي يحيط بالفرد، والمدرسة عامل مساعد من عوامل الثقافة،
ولكننا نخطئ في تقدير وظيفتها عندما نعتقد أن في إمكانها أن تحل مشكلة الثقافة
وحدها) [14].
العناصر اللازمة للثقافة:
¥