ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[10 - 11 - 04, 09:43 م]ـ
نقد
قراءة في فكر مالك بن نبي
-6 -
محمد العبدة
ذكرنا في الحلقة السابقة رأي مالك بن نبي في الثقافة وكيف توجه، ونتابع في
هذه الحلقة رأيه في توجيه العمل ورأس المال، والخطوط العريضة للإقلاع
الاقتصادي.
أهمية الاقتصاد:
لم يعد الاقتصاد في العصر الحديث من الأمور الثانوية، وما كان كذلك في
القديم، ولكن العصر الحديث زاده أهمية وزادت مشاكله حدة بسبب التقارب
الجغرافي، وظهور مذاهب الرأسمالية والاشتراكية التي جعلته من المحاور الرئيسية
في حياتها، وبسبب جشع الغرب ومحاولته إبقاء دول العالم الثالث مستهلكة لإنتاجه
(فأوربا التي تكتلت في القرن الحادي عشر من أجل الزحف الصليبي وتكتلت في
القرن التاسع عشر في الميثاق الاستعماري، تعود اليوم إلى تكتل جديد في صورة
(السوق المشتركة) في الظاهر من أجل الصمود في وجه الاقتصاد الأمريكي
والياباني وفي الواقع من أجل الزحف الاقتصادي على مناطق الحضور الأوربي
سابقاً (العالم الثالث والإسلامي بوجه خاص) لترسي فيها دعائم وجود أوربي جديد
بوسائل الاقتصاد) [1].
وليس هذا موضع تفصيل نظرة الإسلام إلى الاقتصاد ولكن الذي لاشك فيه أن
دولة أو أمة تعيش على فتات الموائد والإعانات من القمح والدقيق والقروض من
البنك الدولي، كيف يتسنى لها الاستقلال السياسي، وكيف تبقى بعيدة عن ضغوط
الشرق والغرب.
كان الطلب على الحاجات قليلاً في الماضي، ولم تقع الشعوب الإسلامية
فريسة\ الاستهلاك، وبسبب التخطيط الاقتصادي الفاشل صار الفلاح ينتظر لقمة
العيش من أمريكا، وقد كان في السابق مكتفياً هو وأسرته في مزرعته وأرضه
(فالعالم الإسلامي يواجه اليوم (حالة إنقاذ) تفرض عليه أن يتخذ قرارات صارمة في
المجال الاقتصادي) [2].
ونحن لا نضخم من دور الاقتصاد، ولكن ألم يكن كبار الصحابة تجاراً
ومزارعين، ولابد من إعمار الدنيا بالقدر الذي لا تنخرم فيه أمور الدين أو أمور
الآخرة، وكيف يكون المسلم عزيزاً إذا كان جل اعتماده على الكفار.
الاقتصاد اليوم أصبح علماً قائماً بذاته، والظروف الحالية تتطلب تخطيطاً
اقتصادياً يناسب حاجات وموارد بلادنا، وإذا كان الغرب يسخر الاقتصاد للرفاهية
والاستغلال، فلماذا لا يسخره المسلمون للاستقلال ونشر الدعوة والجهاد.
الإقلاع الاقتصادي:
ولأهمية هذا الموضوع كان السؤال المتبادر: كيف ينهض المسلمون
اقتصادياً؟ وكيف يكون لهم اقتصاد مستقل؟ فالعالم من حولهم في سباق رهيب،
المنتجون في الشمال على محور (واشنطن - طوكيو) يريدون بقاء العالم الآخر
(محور: طنجة - جاكرتا) المحطة الرئيسية للاستهلاك، (والمسلم في أول هذا
القرن لاهو بالمنتج الذي يرعى حقه، ولا المستهلك الذي ترعى حاجته، لقد كان
أداة عمل مستمر فقط، ولم يتكون لديه وعي اقتصادي ولا تجربة في عالم اقتصاد
غريب عليه بكل مفاهيمه) [3].
وعندما حاول العالم الإسلامي النهوض تعثرت خطواته كثيراً، وفشلت
التجارب التي لم تأت عن دراسة لواقع المسلمين الثقافي، بل أخذت من الشرق أو
الغرب كأنها (وصفات) جاهزة لتطبيقها في أرض غير أرضها، قامت صناعات
قبل أن توفر الغذاء للعامل في المصنع، واستقدموا الخبير الألماني (شاخت) ليطبق
نظرياته في أندونيسيا، ولكنه فشل لأن تجربته كانت مع الشعب الألماني وليس مع
الشعب الأندونيسي.
ومن الناحية النظرية، وعندما يكتب المسلمون عن الاقتصاد يبدو تأثير
النظريات الغربية، فهم يحاولون دائماً إثبات أنه يمكن أن تقوم بنوك دون ربا،
واستثمار دون ربا فكأن قضية المال هي الأساس الأقوى في الاقتصاد، ولا
يعرجون كثيراً على موضوع الإنسان الاجتماعي (فالمعنى الاقتصادي لم يظفر في
ضمير العالم الإسلامي بنفس النمو الذي ظفر به في الغرب) [4] أو لا يعرجون
على العمل وأهميته (فالعمل وحده هو الذي يخط مصير الأشياء في
الإطار الاجتماعي) [5] (وعندما كان المسلمون الأول يشيدون مسجدهم الأول
بالمدينة، كان هذا أول ساحة للعمل صنعت فيها الحضارة الإسلامية) [6].
وفي مجتمع ناشئ (فإن كلمة أجر تفقد معناها، لأن العامل لا
علاقة له بصاحب عمل ولكن بجماعة يشاطرها بؤسها ونعماها، فإعطاء ثلاثة
حروف من الأبجدية عمل، وإزالة الأذى عن الطريق عمل، وغرس شجرة عمل،
¥