تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واستغلال أوقات فراغنا في مساعدة الآخرين عمل ... وهكذا) [7] ..

توجيه رأس المال:

يفرق مالك بن نبي بين مصطلحي الثروة ورأس المال، فالأول يستخدمه

الفرد في ميدانه الخاص مثل عقاره أو قطيعه أو ورشته (فالثروة لا تسعى لغايتها

كقوة مالية مستقلة، بينما رأس المال ينفصل عن صاحبه ويتسع مجاله ليخلق حركة

ونشاطاً، ويوظف الأيدي أينما حل وحيثما ارتحل) [8] فالثروة مال ساكن، ورأس

المال مال متحرك، والمطلوب من المسلمين توجيه المال في خدمة الاقتصاد

الإسلامي (فالقضية ليست في تكديس الثروة ولكن في تحريك المال

وتنشيطه، بتوجيه أموال الأمة البسيطة إلى رأس مال متحرك ينشط الفكر

والعمل) [9] وقد نتج عن عدم توجيه (المال) أن (زاد أغنياء المسلمين على فقرائهم

في العطل برغم ما يملكون من ثروات، فكثير منهم لا يهتمون بتولي طفل مسلم

لتربيته تربية علمية) [10] (والأموال تنفق في توافه الأشياء وتترك

المشاريع ذات النفع العام كالمدارس والمستشفيات إنها مشكلة توجيه رأس المال،

إنها مشكلة نفسية وليست مالية) [11].

ومع هذه الدعوة إلى توجيه رأس المال إلا أن مالك يحذر الدول (من اختيار

مبدأ التنمية الرأسمالية لأنها تكون كما لو قررت مبدئياً أن تضع عملها من أجل

النهوض الاقتصادي في سجن المؤسسات المالية العالمية) [12] بل يرى أن

المشكلة ليست في المال ولكن في تعبئة الطاقات الاجتماعية، والرصيد الأساسي هو

الإنسان، (لو سمح لى أن ألخص وجهة نظر عبّرت عنها منذ ربع قرن لقلت أنه

ليس من الضروري (ولا من الممكن) أن يكون لمجتمع فقير المليارات من الذهب

كي ينهض، وإنما ينهض بالرصيد الذي لا تستطيع الأيام أن تنقص من قيمته شيئاً،

الرصيد الذي وضعته العناية الإلهية بين يديه: الإنسان والتراب والوقت) [13] (إن

الاقتصاد ليس قضية إنشاء بنك وتشييد مصنع فحسب، بل هو قبل ذلك تشييد

الإنسان، وإنشاء سلوكه الجديد أمام كل المشكلات) [14].

وبمثل رأي مالك هذا قال ابن خلدون في مقدمته: (الكسب هو قيمة الأعمال

البشرية، والله سبحانه خلق جميع ما في العالم للإنسان، وامتن به عليه في غير ما

آية من كتابه] وسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ [وسخر لكم

الأنعام، ويد الإنسان مبسوطة على العالم) [15].

الزراعة والصناعة:

إن ظروف العالم الإسلامي تقتضي عندما يريد النهضة الاقتصادية أن يبدأ

بالزراعة، فهي الأساس، وهي التي تمده ببعض المواد الخام، وهي التي تحميه

من الضغوط الاستعمارية، هذا هو رأي مالك بن نبي الذي يكرره كثيراً في كتبه،

يقول:

(والأرض هي الوسيلة المأمونة - كما يقول اليوم الاقتصاديون الذين

يدرسون مشاكل العالم الثالث - لضمان (إقلاع) مجتمع ما من مرحلة أولية إلى

مرحلة ثانوية) [16] (ولكي يصل الاقتصاد إلى مرحلة التصنيع فليس له ما يعتمد

عليه سوى الزراعة من ناحية والمواد الأولية (الخام) من ناحية أخرى، وهذان هما

ثديا الاقتصاد الإسلامي على العموم) [17].

وتجربة الجزائر هي أكبر مثال على ذلك حين اهتم بالصناعة وأهمل

الزراعة، ووجد الشعب والعمال أن المواد الضرورية للغذاء غير موجودة.

لاشك أن وجهة نظر مالك بن نبي صحيحة بشكل عام، ولا أظنه يعني أنه

لابد من استكمال الزراعة حتى نبدأ بالصناعة، ولكن الزراعة هي الأساس، وهذا

شيء طبيعي بالنسبة للعالم الإسلامي، فضعفه في الزراعة ومحاولة الانتفاش أنه

صناعي جعلته يستجدي أخيراً المواد الغذائية من الغرب.

لم يقدم مالك بن نبي هنا نظرية متكاملة في الاقتصاد، بل إشارات وخطوط

عريضة فقط، بل نستطيع القول أنه بسط الأشياء أحياناً، وهي أكثر تعقيداً وخاصة

في ظروفنا الحالية. كما أنه وبسبب (السذاجة السياسية) وقع في غلطة كبيرة عندما

ظن أن ما قام به قادة انقلاب (23) يوليو في مصر مما سمي ب (الإصلاح

الزراعي) سيكون خطوة كبيرة في طريق الإصلاح الاقتصادي، إن ما قام به هؤلاء

لا يعدو أن يكون ارتجالاً وتشنجات نفسية ضد الإقطاع وليس نابعاً عن خطة

مدروسة فضلاً عن أن تكون خطة إسلامية، وقد خرجت مصر بعد ذهابهم أضعف

اقتصاداً مما كانت عليه يوم جاؤوا، ولكن مالك الذي عاش في الغرب يفرح بأي

خطوة يخطوها أهل المشرق مما يظن أنه من الإصلاح.

لم يعش مالك حتى يرى انهيار المجتمعات الاشتراكية، سواء في الشرق أو

في البلاد العربية، وانهيار الاقتصاد المزيف، وطبعاً لا تغني الوصفات من

الرأسمالية فالأمل هو في المجتمعات الإسلامية التي (تعيد إلى عالم الاقتصاد

أخلاقيته، ويتلافى بذلك الانحرافات الإباحية التي تورطت فيها الرأسمالية، كما

ينجو من ورطة الماركسية المادية التي سلبت الإنسان ما يميزه عن الآلات

والأشياء) [18].


(1) مالك بن نبي: المسلم في عالم الاقتصاد / 102.
(2) المصدر السابق / 99.
(3) المسلم في عالم الاقتصاد / 7.
(4) المصدر السابق / 16.
(5) شروط النهضة / 162.
(6) المصدر السابق / 162.
(7) شروط النهضة / 163.
(8) المصدر السابق / 167.
(9) المصدر السابق / 172.
(10) وجهة العالم الإسلامي / 81.
(11) المصدر السابق / 83.
(12) المسلم في عالم الاقتصاد / 72.
(13) مالك بن نبي الرشاد والتيه / 60.
(14) المسلم في عالم الاقتصاد / 73.
(15) المقدمة 2/ 905.
(16) مشكلة الأفكار / 40.
(17) المسلم في عالم الاقتصاد / 24.
(18) المسلم في عالم الاقتصاد / 85.

((مجلة البيان ـ العدد [21] صـ 26 صفر 1410 ـ سبتمبر 1989))
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير