تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

للحجاج في هذه البلاد القريبة من الحرمين الشريفين في هذه العصر الذي قربت فيه

المسافة وسهلت فيه المواصلة، وصار من الممكن للمصري أن يسافر من مصر في

أوائل ذي الحجة الحرام إلى مكة المكرمة فيحج ويتم المناسك في منتصفه، ولا

يلبث أن يعود إلى وطنه في الأسبوع الثالث منه إذا لم يزر الحرم النبوي الشريف،

والقبر المكرم، ولولا الحجر الصحي الاحتياطي لما استغرق سفر الحج شهر ذي

الحجة كله ذهابًا وإيابًا بمنتهى الراحة والرفاهة التي كان يعجز عنها الملوك في

القرون الماضية.

وأما نفقة الحج الرسمية فقد وضعت حكومة الحجاز لها تعريفة في هذا العام

علم منها أنه يمكن للرجل أن ينفق على حجه هنالك بضعة جنيهات فقط بدون

الزيارة وبضعة عشر جنيهًا مع الزيارة، وقلما تصل نفقة ركاب السيارات في الحج

والزيارة التي لا بد منها إلى عشرين جنيهًا، وأحدثت للحجاج المترفين فنادق

يجدون فيها أحسن الطعام وأنقى الماء وجميع أسباب الراحة والصحة. ولقد كنت

أعددت لحجتي الأولى مع الوالدة رحمها الله تعالى مائة جنيه ذهبية، وإنما لم أنفقها

كلها لأنني كنت ضيفًا للملك حسين رحمه الله تعالى مدة وجودي في الحجاز، كما

كنت في الحجة الثانية ضيفًا للملك عبد العزيز أطال الله بقاءه موفقًا للإصلاح.

ومن أغرب أمر المسلمين في هذه الزمان أننا نسمع من بعض حجاجنا ونقرأ

لبعضهم من المقالات في الجرائد من التبرم والشكوى من نفقات الحج ومتاعبه ما

يدل أصح الدلالة على ضعف دينهم وعدهم الإنفاق في سبيل الله ونيل القربات عنده

من المغارم، وإن كانت واجبة، لا صدقات مندوبة. ويستبيحون لأنفسهم الطعن في

الذين يخدمون الحجاج في حِلِّهِم وترحالهم وطعامهم وشرابهم ومنامهم وتعليمهم

المناسك وصحبتهم في أثناء أدائها، وفي غير ذلك من الزيارات، والطعن في

حكومتهم أيضًا مما يخشى أن يكون آية على أن حجهم غير مبرور ولا مقبول عند

الله تعالى.

لهذا رأيت أن أنشر لهم في هذه الأيام من أشهر الحج أثارة تاريخية من حج

المسلمين في القرون الوسطى التي كان حال أهلها في الدين دون حال من قبلهم في

خير القرون، وما كانوا يقاسونه في هذه السبيل سبيل الله من الشدائد والمغارم

راضين من الله محتسبين الأجر عنده؛ لتكون عبرة لمن يتذكر ويخشى الله عز

وجل، ويشكر نعمه على أهل هذا العصر.

...

مشقات الحج ونفقاته

في القرن السادس الهجري

إن العالم الكاتب الشاعر الأديب أبا الحسين محمد بن أحمد بن جبير الغرناطي

الأندلسي قد حج البيت الحرام ثلاث مرات، خرج للأولى من غرناطة لثمان من

شهر شوال سنة 578 ثم ركب البحر من سبتة في مركب للروم الجُنْوَيين في 28

منه قاصدًا الإسكندرية، وبعد حجه وإلمامه بالعراق فسورية عاد إلى الأندلس في

البحر ولقي فيه أهوالاً عظيمة منها انكسار مركبهم. وما وصل إلى بلده غرناطة إلا

لثمان بقين من المحرم سنة 581 وكان في أثناء هذه الرحلة يقيد أهم ما رآه وما

سمعه وما ألم به هو من معه فكان ذلك كتابًا حافلاً سمِّيَ (تذكرة بالأخبار، عن

اتفاقات الأسفار) واشتهر برحلة ابن جبير.

وإنني أنقل منه هنا بعض ما كتبه من خبر إرهاق الحجاج في الإسكندرية ثم

في صعيد مصر وبعض ما كتبه عن جدة ثغر الحجاز الأعظم وأهلها وأمير مكة

وظلم الحاج وإرهاقهم؛ ليكون عبرة لإخواننا المصريين ولسائر المسلمين، فيشكروا

نعم الله تعالى عليهم بما مَنَّ على عباده من تيسير إقامة هذا الركن العظيم من أركان

الإسلام في هذا العصر وقلة نفقاته.

حال الحجاج في الإسكندرية والصعيد

في القرن السادس سنة 578 هـ

قال ابن جبير في حوادث شهر ذي الحجة سنة 578:

أوله يوم الأحد ثاني يوم نزولنا بالإسكندرية، فمن أول ما شاهدنا فيها يوم

نزولنا أن طلع أمناء إلى المركب من قبل السلطان بها لتقييد جميع ما جلب فيه

فاستحضر جميع من كان فيه من المسلمين واحدًا واحدًا وكتبت أسماؤهم وصفاتهم

وأسماء بلادهم، وسئل كل واحد عما لديه من سلع أو ناضٍّ ليؤدي زكاة ذلك كله،

دون أن يبحث عما حال عليه الحول من ذلك أو ما لم يحل، وكان أكثرهم

متشخصين لأداء الفريضة لم يصطحبوا سوى زاد لطريقهم، فلزموا أداء زكاة ذلك

دون أن يسأل هل حال عليه حول أو لا؟

واستنزل أحمد بن حسن منا ليسأل عن أبناء المغرب، وسلع المركب،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير