تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فطيف به مرقبًا على السلطان أولاً، ثم على القاضي ثم على أهل الديوان، ثم على

جماعة من حاشية السلطان، وفي كل يُسْتَفْهَمُ ثم يُقَيَّدُ قولُه، فخلي سبيله وأمر

المسلمين بتنزيل أسبابهم وما فضل من أزودتهم، وعلى ساحل البحر أعوان

يتوكلون بهم ويحمل جميع ما أنزلوه إلى الديوان، فاستدعوا واحدًا واحدًا، وأحضر

ما لكل واحد من الأسباب، والديوان قد غص بالزحام، فوقع التفتيش لجميع

الأسباب ما دق منها وما جل واختلط بعضها ببعض، أدخلت الأيدي إلى أوساطهم

بحثًا عما عسي أن يكون فيها، ثم استحلفوا بعد ذلك هل عندهم غير ما وجدوا لهم

أم لا؟ وفي أثناء ذلك ذهب كثير من أسباب الناس؛ لاختلاط الأيدي وتكاثر الزحام،

ثم أطلقوا بعد موقف من الذل والخزي عظيم، نسأل الله أن يعظم الأجر بذلك،

وهذه لا محالة من الأمور المُلَبَّس فيها على السلطان الكبير المعروف بصلاح الدين،

ولو علم بذلك على ما يُؤْثَر عنه من العدل وإيثار الرفق لأزال ذلك وكفى الله

المؤمنين تلك الخطة الشاقة واسْتؤُدُوا الزكاة على أجمل الوجوه، وما لقينا ببلاد هذا

الرجل ما يلم به قبيح لبعض الذكر سوى هذه الأحدوثة التي هي من تشدد الدواوين.

ثم قال في الكلام على قوص وغيرها من الصعيد ما نصه:

وببلاد هذا الصعيد المعترضة في الطريق للحجاج والمسافرين كإخميم وقوص

ومنية ابن الخصيب من التعرض لمراكب المسافرين وتكشفها والبحث عنها،

وإدخال الأيدي إلى أوساط التجار فحصًا عما تأبطوه أو احتضنوه من دراهم أو

دنانير ما يقبح سماعه، وتستشنع الأحدوثة عنه، كل ذلك برسم الزكاة دون مراعاة

لمحلها أو ما يدرك النصاب منها حسبما ذكرته في ذكر الإسكندرية من هذا المكتوب،

وربما ألزموهم الأيمان على ما بأيديهم، وهل عندهم غير ذلك؟ ويحضرون

كتاب الله العزيز يقع اليمن عليه، فيقف الحجاج بين أيدي هؤلاء المتناولين لها

مواقف خزي ومهانة تذكرهم أيام المكوس. وهذا أمر يقع القطع على أن صلاح

الدين لا يعرفه، ولو عرفه لأمر بقطعه كما أمر بقطع ما هو أعظم منه، ولجاهد

المتناول له، فإن جهادهم من الواجبات؛ لما يصدر عنهم من التعسف وعسير

الإرهاق وسوء المعاملة مع غرباء انقطعوا إلى الله عز وجل وخرجوا مهاجرين إلى

حرمه الأمين. ولو شاء الله لكانت عن هذه الخطة مندوحة في اقتضاء الزكاة على

أجمل الوجوه من ذوي البضائع والتجارات مع مراعاة رأس كل حول الذي هو محل

الزكاة، ويتجنب اعتراض الغرباء المنقطعين ممن تجب الزكاة له لا عليه، وكان

يحافظ على جانب هذا السلطان العادل الذي قد شمل البلاد عدله، وسار في الآفاق

ذكره، ولا يسعى فيما يسيء الذكر بمن قد حسن الله ذكره، ويقبح المقالة في جانب

من أجمل الله المقالة عنه.

ومن أشنع ما شاهدناه من ذلك خروج شرذمة من مردة أعوان الزكاة في أيديهم

المسال الطوال ذوات الأنصبة فيصعدون إلى المراكب استكشافًا لما فيها فلا

يتركون عكمًا ولا غرارة إلا ويتخللونها بتلك المسال الملعونة، مخافة أن يكون في

تلك الغرارة أو العكم اللذين لا يحتويان سوى الزاد شيء غُيِّبَ عليه من بضاعة أو

مال. وهذا أقبح ما يؤثر في الأحاديث المُلَعَّنَة، وقد نهى الله عن التجسس فكيف

عن الكشف لما يرجى بستر الصون دونه من حال لا يريد صاحبها أن يطلع عليها،

إما استحقارًا أو استنفاسًا دون بخل بواجب يلزمه، والله الآخذ على أيدي هؤلاء

الظلمة بيد هذا السلطان العادل وتوفيقه إن شاء الله).

ثم قال الكلام على جدة وأهلها والحجاج فيها:

وأكثر سكان هذه البلدة مع ما يليها من الصحراء أو الجبال أشراف علويون

وحسنيون وحسينيون وجعفريون رضي الله عن سلفهم الكريم، وهم من شظف

العيش بحال يتصدع له الجماد إشفاقًا، ويستخدمون أنفسهم في كل مهنة من المهن

من إكراء جمال إن كانت لهم، أو مبيع لبن أو ماء إلى غير ذلك من تمر يلتقطونه

أو حطب يحتطبونه، وربما تناول ذلك نساؤهم الشريفات بأنفسهن، فسبحان المقدِّر

لما يشاء، ولا شك أنهم أهل بيت ارتضى الله لهم الآخرة ولم يرتض لهم الدنيا،

جعلنا الله ممن يدين بحب أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا.

(ثم قال): وأكثر أهل هذه الجهات الحجازية وسواها فرق وشيع لا دين لهم

قد تفرقوا على مذاهب شتى، وهم يعتقدون في الحاج ما لا يعتقد في أهل الذمة قد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير