تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تفخر الشركة في موقعها بأن من ثمرات النظام زواج عدد من المتسوقين عن طريق الهبات التي حصلوا عليها، وتملك بعضهم بيوتاً بعد أن كانوا في منازل مستأجرة، "وما علم الله به أكثر وأعظم." ثم أشاروا إلى ما لهذا النظام من "الأثر الكبير في مكافحة الفقر والارتفاع بمستوى المعيشة بإذن الله تعالى. ومعلوم أن الشريعة الغراء من مقاصدها رفع الفقر عن المسلمين" إلى آخر ما جاء فيه.

وأول ما يلاحظ هنا هو الاعتماد على مقاصد الشريعة بعد أن كانت مغيبة عند تبرير بيع القُرص وأنه عوض الثمن المدفوع. فإن كانت العبرة بالمقاصد فما الحاجة إذن لبيع الأقراص؟ إن هذه الأقراص لا تسمن ولا تغني من جوع في مكافحة الفقر وتزويج الشباب وإيواء المشردين. وكما سبق، فإن هذا من أوضح الأدلة على أن المقصود من النظام هو الهبات وليس الأقراص، فالواجب إذن تقويم النظام بهذا الاعتبار. ولكن هذا يعني أن النظام لا يعدو أن يكون صورة من الميسر، لأنه نقد مقابل نقد قد يحصل وقد لا يحصل.

ونقول ثانياً: لا ريب أن مكافحة الفقر من مقاصد التشريع الإسلامي، لكن الغاية لا تبرر الوسيلة، فلا يجوز سلوك طرق غير مشروعة لتحقيق الهدف المشروع. وقد كان الميسر في الجاهلية يتباهى به العرب في إعطاء المحتاج والفقير، ومع ذلك نزل القرآن بتحريمه قطعاً. كما أن اليانصيب الحكومي في دول الغرب وغيرها هدفه مكافحة الفقر وعلاج المرضى وتوظيف العاطلين، وغير ذلك من الأهداف الاجتماعية. فهل هذا يجعل اليانصيب مشروعاً؟ إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، فمن رام تحقيق الأهداف النبيلة فلا بد له من سلوك الطرق المناسبة لهذه الأهداف.

ونقول ثالثاً: إن هذا النظام هو نفسه من أسباب الفقر، لأنه يركز الثروة في أيدي القلة القليلة على حساب الكثرة الكاثرة، كما سبق. فإن كان الهدف هومكافحة الفقر ومحاربة تركيز الثروة، فالواجب منع هذا النظام ومحاربته. وهذا يؤكد أن الوسائل المحرمة لا تفضي إلى مصالح مشروعة، بل إلى مفاسد محرمة. ومن نظر إلى الوسائل وأعرض عن المآلات، أو نظر إلى المآلات وأعرض عن الوسائل، وقع في التناقض ولا بد. ومن جمع بينهما ائتلفت عنده المقاصد والأحكام، واتفق الحكم الخاص بالعقد مع الحكم العام للنظام بمجموعه، وهذا بحمد الله بيّن لكل منصف.

الخلاصة

إن نظام هبة الجزيرة يجمع بين الميسر والربا، مع ما فيه من التحايل المذموم، فهو محرم شرعاً. وبيان ذلك:

1. إن المقصود الأهم من الشراء هو الهبة، وهذا هو شأن العقلاء الذين تتعلق بهم الأحكام الشرعية، وهو الواقع الذي ثبت بالرؤية والمشاهدة، وباعتراف أصحاب الشركة أنفسهم. والقُرص ما هو إلا ستار وحيلة لإخفاء حقيقة المعاملة.

2. إن المعاملة بذلك تصبح مبادلة بين 500 نقداً و15000 محتملة، وهذا يجمع بين القمار وبين الربا، وكلاهما محرم بالنص والإجماع.

3. إن النظام بمجموعه هو النظام الهرمي القائم على أكل المال بالباطل وربح الأقلية على حساب الأكثرية، وكلاهما محرم أيضاً بالنص والإجماع.

وختاماً ندعو كل من يرتاب في صحة هذه النتائج إلى النظر في حقيقة هذه المعاملة وغايتها، والنظر في واقع المتعاملين وما الذي يسعون له فعلاً، ثم عرض هذه الحقيقة وهذه الغاية على قواعد الشريعة وأحكامها ومقاصدها. فالأحكام الشرعية تبنى على الحقائق والمقاصد، لا على الصور والمظاهر إذا ناقضت الحقائق.

اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا وإخواننا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

والحمد لله رب العالمين.

ـ[حارث همام]ــــــــ[15 - 12 - 04, 11:32 ص]ـ

شكر الله لكم ونفع بكم وجزاكم الله خيراً.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير