وأستبق الحدث، لأقول: من الصعب جداً على أحد اختراع البحور، ولكن ليس من الصعب أبداً اختراع الصور التي تندرج تحتها كما هو الحال في أمثلتك التي أوردتها لما سماه الأستاذ مرعي بالبحر الشجيْ (وليس الشجيّ)!!!
وإذا كانت البحور الجديدة التي أوردها الأستاذ على شاكلة هذا البحر، فهي ليست من البحور الجديدة، ولا يجوز أبداً تشويش الأذهان بتسميات جديدة لأوزان معروفة، أو يمكن إدراجها تحت وزن معروف.
والوزن المذكور، كما هدتك إليه ذائقتك، هو الوافر بعينه. وكنت قد استنبطته قياساً، ومثلتُ له بقولي:
جبلُتُكِ دُمْيةً بدِمائِيَهْ ** وقلتُ لكِ اسكني أضلاعِيَهْ
زرعتُكِ في شعوريَ نفحَةً ** تضوعُ على الدُّنا نَفَحاتِيَهْ
(مفاعلتن مفاعلتن فعو ** مفاعلتن مفاعلتن فعو)
يجوز في زحافها ما يجوز في الوافر.
ثمّ وجدتُ شاهده عند ابن سناء الملك، في موشحة قال ابن سناء إنه مخترع وزنها! يقول فيها:
أرى نفسي لقلبي واهِبَهْ ** ولم تحفِلْ بحُسْنِ العاقِبَهْ
ومنها:
وشمسُ الأفْقِ منهُ شاحِبَهْ ** وقد يُغنيكَ عنها غائِبَهْ
وقد استخدم بعض المحدثين هذا الوزن في أشعارهم.
ولا يجوز البتة تفعيل مثل هذا الوزن كما فعّله الأستاذ مرعي، إذ لا يجوز أن ترد فعولن إلى جانب فاعلن. وإنما هو كما فعّلناه. وباعتماد (فعولن) التزم الأستاذ مرعي بزحاف مفاعلتن الثانية على مفاعيلن، وهو لزوم ما لا يلزم.
ويدلّك على ذلك أن الأستاذ مرعي، عندما حذف ألف فاعلن، في بعض الأعاريض والأضرب (المخبونة) التي ذكرها، أصبح الوزن فيها غير مقبول على الإطلاق، لأن ألِف فاعلن هنا، هي نون مفاعلتن هناك، فصار الوزن عنده: (مفاعلتن مفاعَلْتُ فعو)،
وسقوط نون مفاعلتن لا يجوز إلاّ في أقبح الزحافات.
فكيف إذا جاءت اللام متحركةً على أصلها، كما في قول ابن سناء الملك:
تطوّقها الخلائقُ قاطِبَهْ
(مفاعلَتن مفاعلتن فعو)
أفيجوز لدى الأستاذ مرعي أن يفعّلها على: (مفاعلتن فعولَتُ فاعلن)؟!!
كما أن الضرب المقطوع (فعْلن) جاء عنده بسبب هذا الاعتبار، فأصبح الوزن: (مفاعلتن مفاعيلُ فعو)
ولذلك لا يصح عندنا من الأشكال السبعة إلاّ ثلاثة أشكال لا غير هي:
1ـ العروض الصحيحة والضرب الصحيح:
يحدثني أرى من صِدْقِهِ = وفي غدِهِ أرى من كذْبِِهِ
(مفاعلتن مفاعلْتن فعو ** مفاعلتن مفاعلْتن فعو)
4ـ العروض الصحيحة والضرب المذيل:
تراسله لحبٍّ شفَّها = وتسأله لقاء العاشقينْ
(مفاعلتن مفاعلْتن فعو ** مفاعلتن مفاعلْتن فعولْ)
7ـ العروض المجزوءة الصحيحة والضرب المجزوء الصحيح:
يجيءُ بألف فتوى = تُحلّلُ لي سُباتي
(مفاعلتن فعولن ** مفاعلتن فعولن)
ويمكننا أن نضيف مما لدينا شواهده:
(مفاعلتن مفاعلْتن فعو ** مفاعلتن مفاعلْتن فعولن)
وكذلك:
(مفاعلتن مفاعلْتن فعولن ** مفاعلتن مفاعلْتن فعو)
شكر الله لك أيها الفاضل، وأعتذر لك عن الإطالة.
السلام عليكم:
لأول مرة أدخل هذا الموضوع، وجدت فيه فائدة وعلما.
للأحنف العُكبرَي المتوفّى سنة 385 هـ تحقيق الأستاذ سلطان بن سعد السلطان الأبيات:
إذا ملك الفتى هنّاً ودنّا = ومقردةً ومفلسةً وصَنْ
وحبّرةً وغربالا إذا ما = رآه عدوّه يوماً يُجَنْ
وكارجةً من البرد اليماني = قُطَيْنِيَةً وكانَ لهُ مَسَنْ
ولاح على ذراعيهِ سطورٌ = وسبْعا غابةٍ والكركدنْ
وكان له محاشيٌّ مليحٌ = خُلاسيٌّ إذا ماحزّ رنْ
وأمشى خلفه كلبا هروشاً = [له ذاتٌ نعوسٌ بهْ وسنْ]
يلايق في العبارة والمعاني = [ويأتي الدّرّ يستحويه منْ]
ولو جربنا أن يكون العروض أيضا مماثلا للضرب لوجدناه منسجما نحو القول:
إذا ملك الفتى هنّاً لهُ = ومقردةً ومفلسةً وصَنْ
وحبّرةً وغربالا إذا = رآه عدوّه يوماً يُجَنْ
وكارجةً كما بردين من = قُطَيْنِيَةٍ وكانَ لهُ مَسَنْ
والله يرعاكم.
ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[03 - 03 - 2007, 12:56 ص]ـ
أخي الحبيب الأستاذ خشان ..
أشكرك على إضافتك الجميلة ..
زادك الله من علمه.
ـ[أبو-أحمد]ــــــــ[03 - 03 - 2007, 12:22 م]ـ
الأساتذة الكبار أمثال، الأستاذ خشان خشان، والدكتور عمر خلوف، والأستاذ محمود مرعي، والأستاذ أبو ستة، والأستاذ الحامدي، وغيرهم ممن لم نتشرف بعد بمعرفتهم، أثروا معرفتنا المحدودة بعلم العروض، وكفونا مؤونة البحث الذي لو قام به غير متخصص مثلي لما ظفربمراده. بارك الله كل من نفع الأجيال الحاضرة بما قام به من إطلاعها على ما أبدعه أجدادها.
إن اختلاف الأساتذة، أحيانا، في بعض الاجتهادات، مهما كان سببه، ربما يفيد في حث القاريء على الاستزادة من العلم لتكون لديه القدرة على نقد الآراء وتمحيصها، والتحقق من قوتها أو ضعفها،وهذا أفضل من التقليد دون نقد.
بارك الله فيكم، وحفظكم من كل سوء، وجزاكم الجزاء الأوفى.
ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[07 - 03 - 2007, 12:56 ص]ـ
السلام على أخوتي جميعاً ..
سأفضح هنا سراً من أسرار علم العروض، ولا أسرار في العلوم!
لنقطّع معاً شطري الرمل والمديد لنلحظ الفارق الدقيق بينهما:
الرمل=/ه //ه /ه /ه //ه /ه /ه //ه
المديد =/ه //ه /ه /ه //ه /ه * //ه
واضح كيف تنامى الإيقاعان معاً، إلى ما قبل نهايتيهما، حيث افترق المديد عن الرمل بفقدان السبب ما قبل الأخير، ولولا ذلك لتطابقا.
إنّ ما يعبق بنكهة المديد إذن، هو ذلك الوتد الأخير الذي إن حُذِفَ دخل الإيقاعُ حظيرةَ الرمل على الفور. ولذلك لم يكن للمديد الشعري مجزوءات، فهو تام على الدوام.
أما الرمل، فيمكن أن يفقد تفعيلته الأخيرة، ليصبح مجزوءاً، وليبقى على نكهته وإيقاعه المعروف.
فإذا اتضح الفرق بين البحرين، عرفنا على الفور أين يمكن أن نضع أبيات أم السليك أو أخته.
إنها جزء لا يتجزأ من سياق الرمل، ولا تمت إلى البحر المديد بصلة، وأخطأ العروضيون الذين نسبوه إلى المديد، الشعري أو الدوائري، مجزوءاً أو تاماً، ورحم الله الزجاج الذي أصاب عين الحقيقة.
الرمل=/ه //ه /ه /ه //ه /ه /ه //ه
المديد =/ه //ه /ه /ه //ه /ه * //ه
السليك=/ه //ه /ه /ه //ه
¥