كنت أفهم هذه اعبارة " ما وصلنا من شعر العرب إلا أقله " على أنها تعني ضياع كثير من شعر العرب لعدم التدوين أو تقادم الزمن مفترضا أن المقصود شعر العرب كما نعرفه اليوم ببحوره وأوزانه، ولم يخطر لي أن ضياع الكثير من شعر العرب يعني ضياع أوزان غير هذه التي نألفها. ومع أن هذا الفهم مشمول معنى بمنطوق العبارة إلا أني لا زلت أرجح فهمي الأول.
قولك في موضعين:" هذا الأمر يثبت بما لا يدع مجالا للشك وجود التفعيلة " فاعِلُ " واستعمالها منذ الجاهلية لأنها بصورتها هذه موجودة في أمثال الجاهلية أيضا "
و " وهنا أزعم أن " فاعِلُ " موجودة، وعرفها العرب ليس في العصر الحديث، أو الأندلسي، بل في الجاهلية."
أن فاعلُ موجودة مستعملة شيء وأن العرب عرفوها شيء آخر.
فالقول بأن العرب عرفوها يعني أولا أن لها شخصية اعتبارية وأن العرب وعوا هذه الشخصية، والقول بالشخصية الاعتبارية للتفاعيل وهل هي مصطلحات أم ذوات أمر يطول فيه الجدل، فلنتجاوز هذا ولنأخذ (مفاعيلن) فوجودها واستعمال العرب لها في جاهليتهم في الطويل أمر لا مراء فيه، ولكن القول عن العرب (عرفوها) شيء آخر فهم لم يعرفوها بهذا المسمى ولا بغيره.
وقصة الخليل مشهورة مع
نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم لا لا
وأقصى ما نستنتجه من هذا أن العرب عرفوا الأسباب والأوتاد وانتظامها بشكل خاص بكل بحر، ولعل هذا هو الأقرب للواقع فالعرب في بواديهم لا يزالون يستعملون هذا الأسلوب في وزن أشعارهم وهو ما يدعونه الملالاة والهينمة كما ذكر ذلك أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري في كتابه (الشعر النبطي – أوزان الشعر العامي بلهجة أهل نجد والإشارة إلى بعض ألحانه " الصفحة – 21
وعليه فالهزج كما ذكر:
هها ها ها ههم هم هم
يلا لي لا للا لي لا
وعليه فوزن الطويل إن أردنا التعبير عنه ة:
1 - بالهينمة المعاصرة = هها ها هها هاها هها ها هها هاها
2 - بالتنعيم قبل الخليل = نعم لا نعم لالا نعم لا نعم لا لا
3 - بالرقمي = 3 2 3 2 2 3 2 3 2 2
4 - بالتفاعيل = فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
وهؤلاء الذين يتكلم عنهم المؤلف من معاصرينا لا يزالون لم يسمعوا ب (مفاعيلن ولا فعولن)
وهنا يحضرني سؤال
أيهما أقرب للصواب أن نقول إن العرب عرفوا التفاعيل أم عرفوا انتظام الأسباب والأوتاد على نحو خاص بكل بحر.
فالقول إنهم عرفوا التفاعيل يعني أنهم وعوا عليها وحددوا شخصياتها والحدود (الاصطلاحية) بينها
فالرمل عندهم = فاعلاتن فاعلاتن فاعلا .... وليس (مثلا) فاعلن مستفعلن مستفعلن
والقول بأنهم عرفوا انتظام الأسباب والأوتاد على نحو خاص بكل بحر، دون أن يضعوا حدودا بينها تقسمها إلى وحدات اصطلاحية يعني أن الرمل عندهم = سبب وتد سبب سبب وتد سبب سبب وتد =2 3 2 2 3 2 2 3
وهنا لسائل أن يسأل، إذا كان استعمال العرب لصيغة ما تعني معرفتهم بشخصيات مكوناتها فأيهما أدق
أ – القول بأن العرب عرفوا التفاعيل
أم
ب- القول بأن العرب عرفوا المقاطع؟
وأيهما أقرب لما استعمله العرب – شكلا – التفاعيل أم الرقمي؟
رابعا - تعريف شكل الشعر:
وهنا نقطة أخيرة أظنك معي فيها، وهي أن ما ورد في القرآن الكريم اكتسب تعريفا يتفق والمنظومة الفكرية القرآنية، ومن ذلك تعريف الشعر
فقد عرفه العرب بأنه ما قيل بقصد الشعر وتضمن بيتين على الأقل وكان ذا قافية ووزن.
ثمة محاولات لتعريف الشعر بما يقل عن ذلك.
ينتج عن وضع تعريف جديد لشكل الشعر يتحلل من هذه الضوابط أثر خطير وهو اتساع دائرة الشعر لتشمل الكثير من النثر بما فيه من أمثال و سجع و [شعر نثر!!]، فربما أدخلوا القرآن الكريم في هذا الباب الذي يتسع حسب تعريفهم للكثير الكثير. وقد لا يكون هذا الهدف بعيدا عن مقصد بعضهم
إنتهى النقل
يقول تعالى " إنا أنزلناه قرآنا عربيا "
وكل أجزاء كلام العرب مطابق لهذه التفعيلة أو تلك ف (فعل) هي مادة كل من علمي الصرف والعروض. فمن يشترط لنفي الشعر عن القرآن نفي ورود خيوط البحور في نسيجه فهو إنما يطلب قرآنا أعجميا لا عربيا.
وحتى لو كان أعجميا فإن الأذن العربية ستلتقطه بخلفيتها اللغوية لتصنفه من هذه التفعيلة أو تلك. وأقرب دليل على ذلك إدراكنا للإنجليزية وهي لغة نبرية لا تفاعيل فيها وإنما وزنها بعلو الصوت أو نبره وخفضه أو عدم نبره ولكننا ندركها باذن تصنفها على ما برمجت عليه من إحساس بالوزن العربي
Under the table
أن 2 – در – ذتي 3 – بل 2 = 2 2 3 2 = مستفعلاتن
ثم بودي أن أنقل هنا ما لم يضق به صدر الأمة الواثقة من ربها وقرآنها ودينها مما هو منشور في كتب العروض:
وإليك من الأمثلة هذه الاقتباسات من نظم الشهاب كما وردت في ميزان الذهب للسيد أحمد الهاشمي:
وزن البسيط:
إذا بسطت يدي أدعو على فئةٍ -- لاموا عليّ عسى تخلو أماكنهم
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن -- فأصبحو لا ترى إلا مساكنم
وزن الطويل:
أطال عذولي فيه كفرانه الهوى -- وآمنت يا ذا الظبي فانس ولا تنفر
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن -- فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
وللحديث بقية بإذن الله، إن ألفيت حوارا وإلا فحسبي أنني بينت جانبا من جوانب تناول مقاطع آي الذكر الحكيم.
والله من وراء القصد.
¥