وذكر في الهامش أن السيوطي يقول في شرح الموشح النحوي أن الرشيد هو الذي أمر برثاء البرامكة ومن بينهم جعفر البرمكي فرثته جارية بهذا الوزن، وقال السيوطي: هو (مُوَالَ) بضم الميم وفتح الواو وبعد الالف لام مفتوحة على صيغة اسم المفعول من وَلَاهُ يَوليه اذا تابعه 13.
والمواليا من وزن بحر البسيط، وتنظم بالإعراب - أي باللغة الفصحى مع ضبط الحركات الإعرابية - واللحن - أي بلغة العامة دون تقيد بإعراب الكلمات - وهي عبارة عن بيتين من الشعر بأربع قوافٍ أي أربعةُ أشطر ٍ مقفاة ٍ.
قال المحبي في خلاصة الأثر: (وأول من أخترع المواليا أهل واسط وهو من بحر البسيط اقتطعوا منه بيتين وقفّوا شطر كل بيتٍ بقافيةٍ ونظموا في الغزل والمدح وسائر الصنائع على قاعدة القريض، وكان سهل التناول تعلمه عبيدهم المتسلمون عمارتهم والغلمان فصاروا يغنون به في رؤوس النخل وفي سقي المياه يقولون في آخر كل صوت (يامَوَالِيَّا) إشارةً الى ساداتهم فسمّيَ بهذا الاسم ولم يزالوا على هذا الاسلوب حتى أستعمله البغداديون فلطّفوه حتى عرف بهم دون مخترعيه ثم شاع، وسبب تقدمه على ما بعده لأنه من بحر القريض بحيث ينظم معرباً على قاعدته) 14.
أقول: تطرق الدكتور صفاء خلوصي الى ما ذكره المحبي باقتضاب وقال بعده: (وهذا الذي حدا بصفي الدين الحلي أن ينسبه الى الزُرّاع البغَادِدَة الذين يسقون مزارعهم بالدلاء ويغنون) 15.
والحقيقة أن الشاعر الكبير الشيخ صفي الدين الحلي لم ينسبه الى البغاددة وانما نسبه الى الواسطيين في ثلاثة مواضع من كتابه (العاطل الحالي والمُرخص الغالي)، ولعل د. خلوصي لم يطلع على الكتاب، على الرغم من أنه أشار في مصادره ومظانه الى أن لصفي الدين كتاب (العاطل والحالي - تحقيق ولهلم هونرباخ - ويسبادن، 1955، يراجع فيما يتعلق بفنون الشعر الشعبي)، والدليل تسمية الكتاب بالعاطل والحالي، وهو بلا واو ٍ بينهما، ولعله لم يفطنْ كذلك الى أن المحبي في خلاصته أنما نقل أقوال صفي الدين الحلي التي نثرها في كتابه وإن لم ينسبها إليه 16، وكذلك فعل ابن حجة الحموي والابشيهي اللذين سنذكر أقوالهما.
قال ابن حجة الحموي في كتابه بلوغ الأمل في فن الزجل: (وقد عنّ أن أنظم شمل الزجل بإتباعه من الفنون الثلاثة وهي: المواليا وكان وكان، والقوما. وصار في الخاطر إلى ذلك انبعاث، وهذه الفنون تختلف بحسب اختلاف المخترعين واختلاف البلاد وتفاوت الاصطلاح، فمنها وزن واحد وأربع قواف وهي المواليا، وسموه البرزخ لأنه يحتمل الإعراب واللحن، وإنما اللحن أحسن وأليق، وإنما كان يحتمل الإعراب في أوائل استخراجه لأن أهل واسط اخترعوه من البحر البسيط وجعلوا كل بيتين منه أربعة أقفال بقافية واحدة وتغزلوا به ومدحوا وهجوا والجميع معرب، إلى أن وصل إلى البغاددة فزادوه باللحن سهولة وعذوبة، وما قصد بقولهم: إنه يحتمل الإعراب واللحن، أن يكون بعض ألفاظ البيت معربة وبعضها ملحونة، فإن هذا عندهم من أقبح العيوب التي لا تجوز عندهم البتة، وهو التزنيم في الزجل، فإنما المقصود أن يكون المعرب منه نوعاً بمفرده ويكون منه ملحوناً باصطلاح المتأخرين لا يدخله الإعراب) 17.
وقال الأبشيهي في المستطرف: (الفنون السبعة المذكورة عند الناس وهي الشعر القريض والموشح والدوبيت والزجل والمواليا والكان وكان والقوما .... منها ثلاثة معربة أبداً لا يغتفر اللحن فيها، وهي الشعر القريض والموشح والدوبيت ومنها ثلاثة ملحونة أبداً وهي الزجل والكان وكان والقوما ومنها واحد وهو البرزخ بينهما يحتمل الاعراب واللحن وهو المواليا) 18.
ويمضي الأبشيهي في تفسير معنى احتمال اللحن والاعراب بما فسره الحموي والذي هو تفسير الشيخ صفي الدين الحلي حيث يقول: (وما قصدتُ بقولي أنه يحتمل الاعراب و اللحن ... الخ) 19، ثم يعرض للفنون الشعرية واحداً فواحداً حتى يصل الى الفن الخامس، فيقول:
(الفن الخامس المواليا وله وزن واحد وأربع قوافٍ، فمن تلك الأربعة واحدة لصفي الدين الحلي:
يا طاعنَ الخيْلَ والأبطالُ قد غارتْ ... والمُخْصِبَ الربْعَ والأمواهُ قد غارتْ
هَواطلُ السحْب ِمن كفَّيكَ قد غارتْ ... والشهبُ مذْ شاهدتْ أضواكَ قد غارتْ 20
وقيل أن أول ما جاء من هذا الفن قول جارية من إماء البرامكة ترثيهم:
¥