تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثانياً: يقول أحد مؤلّفي العروض أنّ نون التوكيد الخفيفة كما في (فاعبدنْ) لاتصلح رويّاً ولا وصلاً، فماذا نسمّي هذه النون إذن؟ وهل هي حرف من حروف القافية؟

الجواب:

لنون التوكيد الخفيفة في قوافي الشعر حالتان:

أنْ تبقى النون ثابتةً على حالها وتكون هي حرف الرويّ في قافية القصيدة النونية، كما في قول ابن سنان الخفاجي:

أذا أخصبتْ بنداهُ البلادَ ... فما شاءتِ السحبُ فَلْتَفْعَلَنْ

أو كقوله في ذات القصيدة، واصفاً لَها:

لزمتُ بها الفتحَ قبلَ الرويِّ ... وما أوجبَ النظمُ أنْ يلزَمَنْ

إلا إذا كان مراده (أنْ يَلزَمَني) فحذف الياء وأبقى نون الوقاية دليلاً عليها، والأمر متعلق بضبط حركة ياء الفعل يلزم.

ومثل ذلك في التأويل قول الأعشى ميمون:

فهلْ يمنعنِّي ارتيادي البلا ... دَ من حَذَرِ الموتِ أنْ يأتِيَنْ

وإنْ كان الفعل (يمنعنِّي) المؤكد بنون التوكيد الخفيفة يُشعرُ بكون الفعل (يأتينْ) أصله (يأتينِّي) فحذف الياء ونون الوقاية لدلالة (يمنعنِّي) عليهما، وربما كان المحذوف هو إليّ بمعنى (أنْ يأتينْ إليّ).

أنْ تُقلبَ نون التوكيد الخفيفة ألفاً، وتكون في هذه الحالة حرف الوصل لا الرويّ، كقول الأعشى: ولا تعبدِ الشيطانَ واللهَ فاعبدا

أو كقول المتنبي: بادٍ هواكَ صبرتَ أم لم تصبرا

أو كقول العجاج وقيل الفقعسيّ:

يحسبهُ الجاهلُ ما لم يعلما ... شيخاً على كرّسيّهِ معمّما

فالألف في الأفعال الثلاثة (فاعبدا، تصبرا، يعلما) هي بدل من نون التوكيد المخففة، فأصل الكلام (فاعبدنْ، لم تصبرنْ، لم يعلمنْ)، ونون التوكيد الخفيفة إذا وقف الإنسان عليها أبدلَ منها ألفاً كما يقول إبن جنّي.

وعلى هذا، فالنون في (فاعبدنْ) هيَ نون التوكيد الخفيفة، ويمكن أنْ تأتي رويّاً أو وصلاً، فتُسمّى باسميهما.

ثالثاً: ثمّةَ عيبٌ من عيوب القافية أختلف في إسمه فبعضهم يسمّيه: الإيطاء والبعض الاخر: الإبطاء، فما القول الفصل في ذلك؟

الجواب:

الإيطاء، بحرف الياء وهو الحرف الثامن والعشرون من حروف الهجاء العربي، أو بالياء المُثَنَّاة التحتية كما يقال سابقاً، وهو مشتقٌّ من المُوَاطَأَة أي الموافقة على شيءٍ واحدٍ كما قال الخليل.

وسُمّيَ إيطاءً في رأيي لأنَّ الشاعر في تكريره لذات اللفظة بذات المعنى يكون كمن يطأُ برجلهِ في ذات المَوْطِأِ مرّتين.

وذكره كلُّ أصحاب المعاجم بالياء (آخر حروف الهجاء) ولم يقلْ أحد منهم أنّه بالباء (ثاني حروف الهجاء)، ونذكر منهم من صرّحوا بأنّ إسمه إيطاءً مما أحصيناه:

1 - الصاغاني في العباب الزاخر واللباب الفاخر / مادة (وطأ).

2 - الزبيدي في تاج العروس من جواهر القاموس / مادة (وطأ).

3 - الأزهري في تهذيب اللغة / مادة (وطئ).

4 - ابن منظور في لسان العرب / مادة (وطأ، عود، رأي).

5 - الزمخشري في أساس البلاغة / مادة (وطئ).

6 - الخليل الفراهيدي في العين / مادة (وطأ).

وصرّح بذلك بعض الشعراء في قصائدهم، ومنهم:

1 - حمّاد عجرد (ت 161هـ) في قوله:

فأُذناكَ إقواءٌ وأنفكَ مُكْفَأٌ ... وعيناكَ إيطاءٌ فأنتَ المُرقَّعُ

وقريبٌ منه بيتٌ لشاعر أمويٍّ يُقال له البردخت الضبّي.

2 - ابن طباطبا العلويّ (ت 322هـ) في قوله:

أرزٌّ جاءَ يتْبعهُ أرزٌّ ... هُوَ الإيطاءُ يُتّخذُ اتّخاذا

فإيطاءُ القريضِ كما علمنا ... وإيطاءُ الطعامِ كمثلِ هذا

3 - أبو العلاء المعري (ت 449هـ) في قوله:

بُنِيَتْ على ألإيطاءِ سالمةً منَ ... الإقواءِ والإكفاءِ والإصرافِ

وقوله:

كالبيتِ أُفردَ لا إيطاءَ يُدركهُ ... ولا سِنادٌ ولا في اللفظِ إقواءُ

4 - شرف الدين الحلي (ت 627هـ) في قوله:

لَمْ يخْلُ لفظُ جودهِ معْ علمهِ ... يوماً منَ الإيطاءِ والتضمينِ

5 - الشاب الظريف (ت 688هـ) في قوله:

لَمْ يقْوَ منهنَّ إقواءٌ لقافيةٍ ... ولَمْ يطأْهُنَّ في الترتيبِ إيطاءُ

6 - شرف الدين البوصيري (ت 696هـ) في الهمزية النبوية:

قَصَدَتْ فيهمُ القنا فقوافي ... الطعنِ منها ما شأنُها الإيطاءُ

وممّن ذكره من الكُتّاب في مؤلفاتهم:

1 - الزجاجي في أمالي الزجاجي وأخبار أبي القاسم الزجاجي.

2 - ابن حمدون في التذكرة الحمدونية.

3 - نشوان الحميري في الحور العين.

4 - ابن عبد ربه في العقد الفريد / ج5 / كتاب الجوهرة الثانية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير