تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا تقارع عن إبداعك، إبداعك هو المقارعُ، ذلك أن شهادة الشاعر في قصيدته غير خالية من الشهوة، فهي شهادة مجروحة الحياد، لأن الشاعر ينفث في قصيدته ما يشاءُ، ويتخير قارىء القصيدة وينتقي منها أيضا ما يشاءُ، والشعر قد يكتب ليقرأه كاتبه، ثم ليقرأه غير كاتبه، وحين يكون الشاعر هو القارىء الوحيد، فلا أظنه يلتفت كثيرا إلى توصيل رسائل القصيدة إلى مداركه ومكنوناته، فالقصيدة منهُ ولهُ. وهذا لا يعني أن الشاعر محروم من تذوق شعره أو نقده، وإنما تظل القضية كما يقول المثل الشعبي: زيتنا في دقيقنا.

وإذا ارتضى الشاعر أو سعى إلى نشر قصيدته، فهذا يعني أنه يأمل في أن تصل رسائل قصيدته إلى أولئك القراء، فيتطلب تحقيق غاية نبيلة كما في الشعر الملتزم، أو غاية فنية ذاتية شهرة ومنفعة، أو غاية أخرى تتخفى مقصدا وترصدا.

فرويدا أيها اليراع ُ، آدك الإسراعُ

أهديكم هذه الأبيات، علَّها تحوز على رضاكم، واستحسانكم

فاستحسن سامح راضيا:

أبدعت هنا .. بلغتك الشعرية الرفيعة

والتي جعلتها ترقص بهذا النغم الرشيق الملائم

لموضوعك.

ولم يرض سامح فقال:

يُرجى من الشاعر التحليق بعيداً عن الواقع وبلغة غير اللغة المبتذلة

على الشفاه الناطقة في حياتها اليومية أو المسطرة في كتبها العلمية ..

((قبل أن يفنى الشجر))

لفظة _يفنى) ألا تراها ثقيلة على النمط الشعري

((أنت تبقى للوجود / انعكاسات البشر))

إنْ عكس البشر؛ فالبشر ليسوا جميعاً يستحقون المدح!!

ثم رضي سامح واستحسن فقال:

نصك عذب

ثم لم يرض سامح فقال:

ولكن لا تطغى اللغة على الانفعال

والإيقاع على المعنى

هذه خلاصة ما جناه سامح، مشرفا لا يمل مداده الناصحُ، ولا يبخس كيله الراجحُ

وقد شكرتَ ثم أفضتَ حكمة، وأجدتَ منطقا حين قلتَ:

يعجبني من يترك عبارات المدح والثناء والإطراء ويلتفت نحو القصيدة ليتناولها بالنقد والتحليل، لأن هذا أولا وأخير ينصب في مصلحة كاتب النص، ولأننا لا زلنا في بداية الطريق ونحتاج إلى من يبين لنا أخطاءنا الكتابية؛ لأن أي شخص لا يستطيع أن يرى عيوبه بنفسه، بل يحتاج إلى شخص آخر يكون أكثر حيادية حتى يبين له ما وقع فيه من خطأ، فمهما بلغت قدرة الإنسان الكتابية فإنه لن يبلغ التمام أبدا ولا بد له يوما أن يقع في الخطل، لاختلاف المدارك والعقول والمفاهيم، فما أراه أنا صوابا قد تراه خطأً، وما تراه خطأً قد أراه صوابا، و كل هذا راجع لطبيعة النفس الإنسانية التي خلقها الله وقسم فيها العقول و الأذهان كلُّ بمقدار.

فهل جزاء سنمار أن تقول:

أنا لاحظت أخي العزيز لغتي التي سطرت فيها هذه القصيدة، وأمعنت النظر في مفرداتها فلم أجد تلك اللغة التي تجعل منها قاموسا علميا، أو حديثا سوقيا يستحق أن نقف عليه، أو ندور حوله، حبَّات، إنعكاسات، جسر، المنجم ..

ثم ما بالك توصي حكيما فتقول:

سؤالك أخي العزيز: هل يباح له عدم الارتباط بوحدة لهذا الخيال فيكتفي بجمع الألفاظ الشعرية وسبكها دون ترابط؟!!

وأعلم أن هذا السؤال من باب الإستفهام الإنكاري، ولكني سأجيب.

الشعر أخي العزيز ليس نظريات علمية 1+1=2

وقد غاليتَ حين قارنتَ فقلتَ:

وأيضا فإن هذا الكلمة أخف بكثير من مستشزرات امرئ القيس، و من قلاقل المتنبي التي قلقل فيها بيته، وهؤلاء هم أسياد الشعر العربي، فما بالك بشخص مثلي لا يزال في بداية طريقة؟.

وقد كنت في غنى عن قولك الذي لا يتفق مع ردك:

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تذوقك للشعر، وقدرتك الفذة في النقد والتحليل، والوقوف أمام كل عبارة، وكل جملة في ثنايا القصيدة.

فعلى نية الحق أقول، لا من نية التحزب لسامح الذي أسعدني تعليقه على مقطوعتي عد رجلا:

أما اللغة السردية في الشعر فلها مسوغات من المعنى ترتفع بالمبنى، ومن هذه المسوغات هزل الشاعر وسخريته موظفا السرد في حبكة اللمح التعبيري ومض استفهام أو خطف تقرير.

لنحلل السرد هنا:

خاض بحرا مظلما .. يرتجي رحب القصور

أنت لولاك لما .. كان للقلب أثر

أنت لولاك نما .. كره قلبي للبشر

أنت غصن للورود .. فيه ريحان الزهر

هل عرفت المنجما ... والذي فيه بهر

(خاض بحرا مظلما يرتجي رحب القصور) هذا هو البناء سردا، فأين هو البناء معنى ليشفع له، لعل المعنى أنه ارتجي قصور حواري البحر فخاض البحر المظلم، إذن سردٌ في المعنى والمبنى.

ولولاها لما كان لقبك أثر، ولولاها لما ازداد كرهك للبشر، فهي غصن للورود فيه ريحان الزهر،

هذا ما تحدث عنه سامح، ولا أظن سامحا قد تعامل مع النص تعامله مع نصوص المبتدئين، فهو لم يجد نصك رضيعا، فلم يهدهده تشجيعا.

وهذه همسة عروضية تقول: إن إشباع باء القلوب لا يجوز، وإن لم تشبع الباء فإن: فاعلات لم يستخدمها الشعراء زحافا من فاعلاتن في الرمل مجزوءا وكاملا.

يقطر القلب دما .. والقلوب من شذر

وهذه همسة إملائية تقول: رسمتَ (ضما) والصواب ضمى لأن ضمى مقلوب من ضام، من الضيم.

وكذلك رسمتَ (الحما) والصواب (الحمى)

أما التنويع في قوافي الصدر والعجز فلست معه، رغم تنوقك وتأنقك اختيارا ونظما.

قال سامح: نصك عذب. وأنا أقول: نصك عذب وعذب

فالتراكيب الجميلة مجازا، تنداح في النص دوائر من جمالٍ وخيال مثل: ألماس الثغور، وشطآن القدر، وسجون النظر، وماء الوعود، وغيرها.

والجزالة التعبيرية سهلة ممتنعة، تتمايس كثافتها الشعورية تعمقا وتأملا، ويتعالى الإيقاع ذاملا متهاديا.

فترفق وتألق

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير