[سر المتعة!]
ـ[كرم مبارك]ــــــــ[30 - 06 - 2007, 04:49 ص]ـ
في القاعة الدراسية، بمركز تدريب المعلمين جلس الأستاذ عبد الله المعلم المخضرم بجانب الأستاذ إسماعيل المعلم الجديد على الساحة التربوية، انتظاراً لدخول المحاضر في الدورة التي التحقا بها.
أبدى إسماعيل سعادة عظيمة لجلوسه بجانب معلمه الذي تتلمذ على يده في صفوف الثانوية الثلاث،وكذلك لأنه أصبح زميلَ مهنة له ..
ردّ عبد الله: بل أنا الأسعد كوني أشاهد نتاج غرسي شاباً صالحاً مثلك،وأشعر أن دروسي ونصائحي ومواعظي لم تذهب سدى
إسماعيل شاب ذكي ومجتهد ونشيط، ترك عدة فرص للتوظيف مفضلاً عليها مهنة الأنبياء، لم يستمع لنصائح المحبطين، ولا لإحباط الناصحين، وها هو الآن معلم لطلاب المرحلة الإعدادية يحبهم ويحبونه ..
ولكن إسماعيل مع ذلك خاض تجربة شاقة في السنة الفائتة مع جدول مثقل بالحصص والتكاليف.
لذا لم يكن سؤاله بريئاً عندما قال:
أستاذي؛ ما أصبرك على التعليم كل هذه السنين ولم تقدم للإدارة؟!!
تنهد عبد الله تنهيدة حارة،ونظر إلى إسماعيل نظرة حانية، وقال:
أن مثلي يا إسماعيل كالسمكة إن أُخرجت من الماء ماتت ..
وأنا إن تركت الطلاب والصفوف والدروس فذاك إعلان موتي .. !
- حسناً. ومن أين تستمد هذه القوة؟ أعني المحبة،لهذه المهنة المتعبة، وهذا الشوق لطلابك ومدرستك؟! .. قالها إسماعيل بدهشة وتعجب.
ابتسم الأستاذ عبد الله ابتسامته الساحرة المعهودة تلك الابتسامة التي يتذكرها إسماعيل منذ أن كان طالباً وقال:
أستمد قوتي بعد الله منكم يا إسماعيل،نعم منكم يا طلابي.
- كيف ذلك يا أستاذ؟؟!
-.فأنت مثلاً،كم أشعر بالسعادة والفخر حين أتباهى أمام الجميع بأن هذا المعلم من طلابي.
وكم هو فخر لي أن أدخل في أية دائرة حكومية أو محلية وأجد فيها غرساً أنا غرسته بجهدي وعرقي ..
هل أحدثك يا إسماعيل عن موقف لن تترك التعليم بعد أن تسمعه أبداً .. ؟
أجاب إسماعيل بشوق: نعم يا أستاذي فأنا بحاجة إلى من يثبت أقدامي المضطربة في هذا الميدان الشاق ..
قال: إذن فأصغ إلى هذا الموقف .. :
كان أخي وأصدقائه وعائلاتهم قادمين جميعاً إلى الدولة بعد رحلة سياحية لهم،عن طريق مطار الشارقة الدولي.
وأخي هذا يشبهني قليلاً ..
واستمع الآن بلسان أخي، وماذا حدث له في المطار.
يقول أخي: وصلنا إلى المطار متعبين جداً، ومعنا نساء وأطفال، وكان الازدحام في المطار شديداً والطوابير طويلة .. فاستسلمنا لهذا الأمر متبرمين مستائين من هذه الفوضى.
يقول: وفجأة وقف أمامي شاب في ثياب مدنية – من موظفي المطار - وبعد أن سلم علي، قال من معك؟
قلت هؤلاء كلهم ..
قال: أتبعوني .. فتبعناه .. فأخذ منا الجوازات وختمها في ثوان، ثم أخذنا إلى القاعة الأخرى دون توقف حتى أوصلنا إلى حقائبنا .. ونحن جميعاً مندهشون، لدماثة خلق هذا الشاب وحسن فعاله ..
وبعد أن أنجز معروفه، وقبل أن يهم بالانصراف قلت له: أخي العزيز لا أدري كيف أرد لك هذا الجميل الذي لن أنساه في حياتي.
هل تفعل هذا المعروف مع الناس كلهم؟؟
قال: لا، بل فعلته من أجل رجل يشبهك .. وأنا لا أعلم هل أنت من أقربائه أم لا؟
ولكن فقط لأنه يشبهك أحببت أن أخدمك لأجل هذا الشبه فقط ..
قلت: سبحان الله لأجل الشبه فقط خدمتنا!!!
قال: نعم، فقد أحببت هذا الرجل من قلبي، لقد علمني وأفادني ونصحني ووعظني، ولم يبخل علينا نحن طلابه بأي شيء، لذا فلا يسعني إلا أن أرد له الجميل حتى مع من يشبهه حباً وامتناناً له ..
يقول أخي: فدفعني الفضول لأعرف من هذا الرجل.
فقلت له:ومن هو هذا الرجل إن لم يكن هذا تطفلاً مني فلعلي أعرفه؟
قال: اسمه الأستاذ عبد الله مدرس في ثانوية كذا ..
قلت: أستاذ عبد الله بن فلان، قال: نعم
قلت: هو أخي وشقيقي.
قال: إذاً فأبلغه سلامي وتحياتي ومحبتي له، وما أفعله من أجله لا يساوي ذرة مما قدمه لنا من متعة الدرس وفائدة النصح وإخلاص الموعظة ..
هنا نظر الأستاذ عبد الله إلى وجه إسماعيل المندهش وقال:
هذا ما نقله لي أخي عن موقف واحد من مواقف طلابي، أفلا ترفع مثل هذه المواقف الرائعة من معنوياتك يا إسماعيل، وتجعلك تتمسك بهذا العمل المبارك؟
ألا يكفي أن يقدرك طلابك هذا التقدير العظيم حتى لو تجاهلك المجتمع كله؟؟
قال إسماعيل وقد أصبح أكثر حماساً: الآن عرفت سر المتعة!
والله يا أستاذي إني على دربك سائر، لقد أدخلت هذه المهنة إلى قلبي وحببتها إليّ وجعلت لها في قلبي شأناً عظيماً
بقلم / الربيع الأول
ـ[د. سليمان خاطر]ــــــــ[30 - 06 - 2007, 06:02 ص]ـ
بارك الله فيك على هذا الكلام الطيب.
سؤالي للأخ المشرف: هل يمكن أن يوضع نسخة منه في منتدى المعلمين؛ لتعم الفائدة؟ وشكرا.
ـ[~*¤®©™§ [عاشقة القوافي] §™©®¤*~]ــــــــ[05 - 07 - 2007, 01:29 م]ـ
بوركت أخي الربيع الأول
وهذا موقف يثلج الصدر في خضم تعب التدريس المهلك.
¥