ـ وقول بعض المعاصرين عن هذا الإجماع الذي نقله ابن كثير رحمه الله بأنه (خاص بملوك التتار ومن تلبس بمثل ما تلبسوا به من نواقض الإسلام والتي منها الجحود والاستحلال للحكم بغير ما أنزل الرحمن) هو مجرد ظن لم تسانده حقائق علمية ولا حجج قائمة، على أن الحافظ لم يتفرد بقوله ولا بنقله للإجماع. فخلق كثير من المتقدمين والمتأخرين يذكرون مثل هذا وأعظم، وكيف لا يحكم بكفر من عطل الشريعة ونصب نفسه محللاً محرّماً محسناً مقبحاً وجعل محاكم قانونية لها المرجعية في الحكم والقضاء ولا يمكن مُساءَلتها أو التعقيب والاعتراض على أحكامها، وحملُ الكاتب كفر التتار على الجحود والاستحلال ليس له وجه سوى تأثره بأهل الإرجاء من جعل مناط الكفر هو الاستحلال أو الجحود وهذا باطل في الشرع والعقل فالاستحلال كفر ولو لم يكن معه حكم بغير ما أنزل الله والآية صريحة في أنّ مناط الكفر هو الامتناع عن الحكم بما أنزل الله.
ـ وكثير من المتأخرين متأثرون بمذاهب أهل الإرجاء الذين يقولون كل من أتى بمكفر من قول أو عمل فإنه كافر ولكنّ كفره ليس لذات العمل لكنه متضمن للكفر ودلالة على انتفاء التصديق بالقلب وعلامة على التكذيب، وآخرون من غلاة المرجئة يمنعون من التكفير بالعمل مطلقاً ما لم يثبت عنه الجحود أو الاستحلال، وهذا خلاف كتاب الله U وسنة رسوله r وإجماع المسلمين، وقد اتفق أهل العلم على أن سبّ الله U وسب الرسول r كفرٌ ولم يشترط واحد منهم الاستحلال أو الاعتقاد بل يكفي في كفره مجرد ثبوت السب الصريح.
ـ واتفقوا على كفر المستهزئ بالدين بدون شرط الاعتقاد أو الاستحلال بل يكفر ولو كان مازحاً أو هازلاًَ، واتفقوا أيضاً على أن التقرب للأموات بالسجود لهم أو الطواف على قبورهم كفر، واتفقوا على أن إلقاء المصحف في القاذورات كفر، وهذا قول كل من يقول بأن الإيمان قول وعمل قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
ـ وقد اتفق أهل السنة على أن الكفر يكون بالقول كالاستهزاء الصريح بالدين ويكون بالفعل كالسجود للأصنام والشمس والقمر والذبح لغير الله، والأدلة من الكتاب والسنة صريحة في كفر من أتى بمكفر وذلك بمجرد القول أو الفعل دون ربط ذلك بالجحود أو الاستحلال فإن هذا فاسد لم يقل به أحد من الصحابة والتابعين ولا الأئمة المعروفين بالسنة.
ـ قال الله تعالى: ?وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ # لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ? ومناط الكفر هو مجرد القول الذي تكلموا به.
ـ وقال تعالى: ?يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأْرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ?.
ـ وبالجملة فكل من قال أو فعل ما هو كفر صريح كفر ما لم يمنع من ذلك مانع من الإكراه أو التأويل أو الخطأ كسبق اللسان أو الجهل المعتبر.
ـ ومن الكفر المستبين ترك جنس العمل مطلقاً دون ربط ذلك بأعمال القلوب فمجرد الترك المطلق لجنس العمل كفر أكبر ولكن يستدل بانتفاء اللازم الباطن دون جعله شرطاً للحكم وهذا صريح الكتاب والسنة فالحكم واقع على أعمال الجوارح وليس على ما في القلوب فهذا لعلاّم الغيوب، وقد ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله في فتح الباري (1/ 23) عن سفيان بن عيينة أنه قال: المرجئة سموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم وليسا سواء لأن ركوب المحارم متعمداًَ من غير استحلال معصية وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر، وبيان ذلك في أمر آدم u وإبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي r بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه.
* من كلام الشيخ سليمان العلوان.
ـ[أبو جعفر الزهيري]ــــــــ[22 - 02 - 08, 07:24 ص]ـ
حُذف
## المشرف ##
¥