وقال شيخ الإسلام: (ويبقى دلالة قولهم فثم وجه الله على فثم قبلة الله هل هو من باب تسمية القبلة وجها باعتبار أن الوجه والجهة واحد أو باعتبار أن من استقبل وجه الله فقد استقبل قبلة الله فهذا فيه بحوث ليس هذا موضعها).
وايضا فمن المعلوم أن قبلة الله التي نصبها لعباده هي قبلة واحدة وهي القبلة التي أمر الله عباده أن يتوجهوا اليها حيث كانوا لا كل جهة يولي وجهه اليها فإنه يولي وجهه الى المشرق والمغرب والشمال وما بين ذلك وليست تلك الجهات قبلة الله فكيف يقال أي وجهة وجهتموها واستقبلتموها فهي قبلة الله
قلت: ليس فيه "فهي قبلة الله"، بل فيه "فهناك قبلة الله"، فهو خاص بما استقبله المرء في صلاته المشروعة كما في حديث ابن عمر، فلا يعم كا ما يولى العبد وجهه من الجهات، بل خاص بما نصبه الله لعباده من القبلة (المسجد الأقصى أو المسجد الحرام أو غيرهما على ما هو مشروع). والآية تبين أن القبلة للمسافر الذي يريد الصلاة لا تختص بمكان دون مكان ولا بجهة دون جهة، بل أينما يولى فثم قبلة الله.
قال شيخ الإسلام: (وهو الوجه الذى لله والذى أمر الله أن نستقبل فان قوله ولله المشرق والمغرب يدل على أن وجه الله هناك من المشرق والمغرب الذى هو لله).
قال شيخ الإسلام: (فأخبر ان العبد حيث استقبل فقد استقبل قبلة الله ليبين انه حيث أمر العبد الاستقبال والتولية فقد استقبل وولي قبلة الله ووجهته ولهذا ذكروا أن هذه الاية فيما لا يتعين فيه استقبال الكعبة كالمتطوع الراكب في السفر فانه يصلي حيث توجهت به راحلته والعاجز الذي لا يعلم جهة الكعبة أو لا يقدر على استقبال الكعبة فانه يصلي بحسب امكانه الى أي جهة امكن).
ثم إن معنى الوجه والجهة ليس هو تمام معنى الوجهة. قال شيخ الإسلام:
(وأما لفظ وجهة مثل قوله ولكل وجهة هو موليها فقد يظن أيضا أنه مصدر كالوجه، كالوعدة مع الوعد، وأنها تركت صحيحة فلم تحذف فاؤها. وليس كذلك، لأنه لو كان مصدرا لحذفت واوه، وهو الجهة، وكان يقال: ولكل جهة أو وجه. وإنما الفعلة هنا بمعنى المفعول، كالقبلة والبدعة والذبحة ونحو ذلك. فالقبلة ما استقبل والوجهة ما توجه اليه والبدعة ما ابتدع والذبحة ما ذبح. ولهذا صح ولم تحذف فاؤه، لأن الحذف إنما هو من المصدر لا من بقية الأسماء كالصفات وما يشبهها مثل أسماء الأمكنة والأزمنة والآلات والمفاعيل وغير ذلك).
ومنها انه لو أريد بالوجه في الآية الجهة والقبلة لكان وجه الكلام أن يقال فأينما تولوا فهو وجه الله لأنه إذا كان المراد بالوجه الجهة فهي التي تولي نفسها وإنما يقال ثم كذا اذا كان أمران كقوله تعالى {وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا} فالنعيم والملك ثَمَّ، لا إنه نفس الظرف.
والوجه لو كان المراد به الجهة نفسها لم يكن ظرفا لنفسها فإن الشيء لا يكون ظرفا لنفسه فتأمله
ألا ترى أنك إذا أشرت الى جهة الشرق والغرب لا يصح أن تقول ثم جهة الشرق، ثم جهة الغرب، بل تقول هذه جهة الشرق، وهذه جهة الغرب، ولو قلت هناك جهة الشرق والغرب لكان ذكر الظرف لغوا وذلك لأن "ثَمَّ" إشارة الى المكان البعيد فلا يشار بها الى قريب والجهة والوجهة مما يحاذيك الى آخرها فجهة الشرق والغرب وجهة القبلة مما يتصل الى حيث ينتهي فكيف يقال فيها "ثَمَّ" اشارة الى البعيد؟ بخلاف الاشارة الى وجه الرب تبارك وتعالى فإنه يشار الى ذاته ولهذا قال غير واحد من السلف فثم الله تحقيقا لان المراد وجهه الذي هو من صفات ذاته والاشارة اليه بأنه "ثَمَّ" كالإشارة اليه بأنه فوق سمواته وعلى العرش وفوق العالم
قلت: القبلة ليست نفس الظرف، بل القبلة في الظرف. فإن الكعبة في هذه الجهة أو في تلك، وليست الكعبة نفس الجهة.
وفي الحديث السابق: (فقام عمر بن الخطاب، فتوجه في ذلك الوجه). لأن المراد ما قصده القاصد في تلك الجهة، لا نفس الجهة. أو هي شيء مخصوص من تلك الجهة في ذلك الوقت، لا تلك الجهة بأسرها في كل وقت. وهذا ظاهر، والله أعلم.
وقد مر من كلام شيخ الإسلام: (وهو الوجه الذى لله والذى أمر الله أن نستقبل فان قوله ولله المشرق والمغرب يدل على أن وجه الله هناك من المشرق والمغرب الذى هو لله).
¥