إن المنهج المقاصدي ـ إضافة إلى ما قرره علماء الشريعة من قواعد الفهم والاستدلال ـ هو المنهج الأنسب لفهم أحكام الشريعة الإسلامية واستنباطها في الوقت ذاته، إذ أنه المنهج الذي يضبط عملية الاستدلال بالنص الشرعي من حيث الفهم والتطبيق في ضوء الملاءمة بين ظروف النازلة التي يتناولها النص والمقصد الذي يستشرفه النص نفسه من تطبيقه.
ويستلزم العمل بالمنهج المقاصدي جملة أمور شرعية ولغوية وواقعية حتى يقوم بدوره على أحسن الوجوه وأتمها، وإجمالا فإن العمل بالمقصد في العملية الاجتهادية يقوم على ثلاثة عناصر أساسية، هي: النص، والواقع، والمكلف [20] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=60#_ftn20).
فالنص هو الدليل الذي يُراد تطبيق حكمه وعلته ومقصده، والواقع هو ميدان الفعل والتصرف الذي سيكون محكومًا بذلك النص وموجهًا نحو مقاصده وغاياته، والمكلف هو المؤهل عقلاً وشرعا للملاءمة بين النص والواقع، أي هو المجتهد في تنزيل أحكام الشريعة ومقاصدها على الواقع وتقويم الواقع بها، وصولا إلى تحقيق معالجات شرعية لمشكلات ذلك الواقع وأقضيته وأحواله.
وتحيط بتلك العناصر الثلاثة (النص والواقع والمكلف) جملة من الصفات الهامة والمعطيات اللازمة والشروط الضرورية في عملية الاستنباط الفقهي في ضوء مراعاة المقاصد الشرعية، تلك المعطيات التي عبّر عنها العلماء بأنها سائر صفات وشروط المجتهد، و قواعد وضوابط كيفية الاستنباط وأدواته، وجملة شروط التأويل التي ينبغي استحضارها في الاستدلال على أي حكم شرعي للواقعة المستجدة، بغرض أن يتحقق في واقع الناس مراد الشارع على سبيل القطع واليقين أو الظن الغالب والراجح.
فالنص ـ العنصر الأول ـ يستلزم جملة من القواعد والمعلومات اللغوية والأصولية التي يستحضرها المجتهد في التعامل مع النص الشرعي، فهمًا وتطبيقًا، وكل تلك المعلومات اللغوية والأصولية وغيرها، المبثوثة في كتب الأصول، تشكل الأساس الضروري الذي لابد منه في الاجتهاد والاستنباط، وهي في علاقتها بمعانيها ومقاصدها ودلالاتها كعلاقة الشرط بمشروطه، والسقف بجدرانه، فهي أمارات وعلامات دالة على مراد الشارع الحكيم ومقاصده، وأسباب لتحققها وتطبيقها في الواقع، وباعتبار أنها النصف الثاني الذي يشكل مع المقاصد كيان النص ووجوده، (فما أطلقه الله من الأسماء، وعلّق به الأحكام، من الأمر والنهي، والتحليل والتحريم، لم يكن لأحد أن يقيده إلا بدلالة من الله ورسوله).
وفهم الواقع الذي يراد تحكيمه بالتعاليم الشرعية ـ وليس العكس ـ يعد عنصرا ثانيًا للعمل بالمنهج المقاصدي، فالنصوص الشرعية لم تأت إلا لتخاطب الواقع وتتنزل فيه على أحسن حال، وأفضل منهج، وأقوم سبيل .. ، وواجب المجتهد أن يكون مدركا لما يجري حوله، ملما بالأعراف العامة لأحوال الناس ـ الذين هم محل الحكم الشرعي ـ مستطيعا للاجتهاد من أجل بسط الدين على واقع الناس، وتقويم مسالكهم بنهجه آخذا بعين الاعتبار معطيات عصره ومشكلاته، فبمقدار فقهه للواقع وبحجم استيعابه، وبمقدار إبصار مقاصد النصوص وأبعادها ينجح ـ أي المجتهد ـ في تحقيق أغراض الدين وخدمة الدنيا، فالدين كما يقول الشاطبي ما وضع إلا لمصالح العباد في العاجل والآجل [21] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=60#_ftn21).
[1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=60#_ftnref1) ـ مجلة البيان، العدد (192)، شعبان 1424،اكتوبر 2003.
[2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=60#_ftnref2) ـ " أليس الصبح بقريب" ص:200
[3] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=60#_ftnref3) ـ تعريف للدكتور نور الدين الخادمي: الاجتهاد المقاصدي 2/ 40.
[4] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=60#_ftnref4) ـ الموافقات 4/ 175.
[5] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=60#_ftnref5) ـ الموافقات 2/ 331.
[6] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=60#_ftnref6) ـ انظر ما قاله الشاطبي في الموافقات 1/ 77 الى 80.
¥