ـ[أبو أحمد الهمام]ــــــــ[30 - 11 - 09, 02:02 م]ـ
" أصول الفقه بين الثبات والتجديد"
البعد الفكري، والإمكان العملي
قراءة في السببية المطالبة، وأوجه الإمكان التطبيقية التجديدية
الشيخ د. يوسف بن محمد الغفيص
عضو هيئة كبار العلماء , عضو اللجنة الدائمة للإفتاء (سابقا)
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله وآله وصحبة أما بعد:
فإن تحديد رؤية علمية أمام هذه الفرضية ((تجديد أصول الفقه)) يرتبط بوجود إمكانية مؤهلة من حيث المنهج النظري، والواقعية التطبيقية لإجراء حوار يتطلع لقراءة مراجعة للكتابة الأصولية التاريخية.
هذه المبدئية أو الاتجاه على أقل تقدير يعطي مراجعة للسببية المطالبة بتجديد أصول الفقه، وربما كان من الرسم الصحيح للشكل العلمي: أن هذه الدعوة إنتاج (للعقل المنفعل حضارياً) أو (للعقل المدني المتحول) وفي تقديري: أن هذا العقل عقل ذرائعي افتراضي بدرجة ذوقية عالية!! ومقدّر: أنه يواجه أزمة تكوين، وليس أزمة تطبيق، وليس على علاقة معتدلة مع التراث الإسلامي من حيث الولاء والتصور.
من هنا فإن هذه الفرضية العلمية في شكلها الحضوري لا تحمل إلحاحاً ذاتياً من داخل علم ((أصول الفقه)) أو حتى معطيات علمية وتاريخية قادرة على ترسيم هذا الافتراض.
هذا الإنتاج لا يعني أن (علم أصول الفقه) علم متعالي على التجديد والمراجعة والتصحيح في سائر جزئيات بنيته، بل هذه مراجعة متاحة ومؤهلة علمياً وتاريخياً بل وممارسة داخل هذا العلم أو عند من قرأه من كبار علماء ونظار المسلمين الذين كتبوا في التصحيح الأصولي.
ثمت فرق بين رؤية تقع استجابة لفرضية حضارية أو أزمة تكوينية فكرية وبين الاستجابة لواقعية علمية تاريخية أو حتى حظورية طارئة. هذا الفرق لا يتمثل في القراءة السببية المجردة بل يرتبط به التكوين التطبيقي ولو بمعدل اللغة التعاملية الأولية. ومن هنا فإن الكشف عن حقيقة هذه الدعوة داخل رؤية واتجاه العقل المدنى المتحول سواء كان في اتجاه ما يسمى "اليسار الإسلامي" أو "العقلاني الحر" أو "الوسط الحداثي" يعد قيمة مهمة في تقييم هذه الدعوة التي يحاول رموزها الفكرية المتحولة إقصاء الاتجاه الوسط الإسلامي المحافظ عن الامتياز التأصيلي.
حسب التقدير الشخصي: فإن الدعوة إلى (تجديد أصول الفقه) بهذه الدرجة من العمومية، والنسق الفكري الذي ترفع فيه هذه المطالبة جاءت محاولة تجاوز للتنظيم التشريعي المذهبي القائم في القرون الإسلامية، والممتد في الواقع المعاصر، أو بعبارة أكثر تطبيقية مع الواقع الثقافي: محاولة تحييد النظامية التشريعية التي يمثلها الوسط العلمي المحافظ عن الممارسة التطبيقية المعاصرة، وإعطاء واقعية معرفية لحرية العقل المتحول في كثير من الأوساط الثقافية العربية أو حتى في اليسار الثقافي الإسلامي لتجاوز المنهج العلمي الوسطي الذي مثله الفقهاء الأوائل، وهذه التوافقية بين هذين التجمعين الذي ربما صح أن نسميهم: رواد هذه الدعوة ليست توافقية منهجية، وهذا منطق عدلي يجب أن يكون واضحاً، فمن المؤكد أن "اليسار الإسلامي" أكثر تعقلاً بل لا يمكن أن يؤهل "العقل الحداثي" لمعادلة تعاملية تجاه هذه الدعوة مع كل الأشكال الإسلامية. لكن ربما كان مهماً أن ندرك أن هذه المطالبة، أو بتصورية أكثر: الافتراض التحويلي لأصول الفقه، ليست محاولة علمية داخل التجمع العلمي التخصصي أو اعتباراً شرعياً داخل التمثيل الإسلامي التعددي القائم، وإن كنا ندرك أن هناك مناقشات وربما إيحاءات قبولية أو رفضية قائمة في هذين المسارين لكن البعد الثقافي المعاصر في أشكاله الاتجاهية الفكرية يتعامل مع هذه الفرضية كنظرية يحاول أن يسجل لها استجابة داخل التجمع العلمي التخصصي أو داخل التطبيق الإسلامي التعددي أي: خلق سببية معرفية أو شرعية، ورغم وجود مقتضيات نسبية في المحورين فإن تجسير العلاقة مع العقل الوضعي أو العقل المتحول يمثل تسرعاً ولو بمستوى التصويت الأولي لصالح تصحيح النظرية،وهنا يمكن أن نسجل رفض القبول لهذه الدعوة التي تقع تحت رؤية فكرية متحولة، وليست على علاقة مناسبة مع التراث الوسطي المحافظ بل يكون هذا ضرورة منهجية لازمة التحقيق.
¥