تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن الصياغة لأصول الفقه تتطلب ثراء علمياً في النصوص و مقاصد الشريعة ولغة العرب وقواعد العقل الإسلامي و سعة علم بأقوال الفقهاء، و قواعد المذاهب، ومتطلبات في القدرة والعبقرية بل وإرادة صادقة متدينة.

إن علم أصول الفقه علم متدين وهذا امتياز وليس إشكالية يحاول تجاوزها باسم التجديد. ومع هذه المحاذرة والتشكيك بل رفض التعامل و القبول لهذه الدعوة التي تمثلها اتجاهات فكرية غير متواصلة مع التراث والمسار الوسطي المحافظ المعتدل فإن الفضيلة الشرعية " التجديد " تبقى امتيازاً يخاطب أهل العلم و الاختصاص بتطبيقه حتى في هذا العلم علم أصول الفقه، و ربما كان من اللغة الخطابية أن نقول: إن التجديد الفاضل هو التجديد في أصول الفقه وليس تجديد أصول الفقه.

إن هذا العلم من أخص تراث الأمة،والقارئ له يدرك أنه صياغة راقية للنظم الشرعية بل وصياغة للعقل الإسلامي، وأنه مؤهل في الجملة للاستمرارية في هذا العصر الحضاري إذا كنا نتعامل مع هذا العلم بوعي وإدراك، ووضوح في المقاصد. حسب التقدير الشخصي فإن هذا العلم بتكوينه التاريخي لم يواجه مشكلة حضارية أو يصطدم بها، بل هو صياغة علمية شمولية مؤهلة لاستيعاب الطارئ والنازل حسب الإملاء الشرعي الذي بنى عليه هذا العلم، وليس حسب رؤية "العقل المدني المتحول" المقطوع أو المتنصل من التراث، الذي يحاول تجاوز المسار المحافظ المعتدل من الداخل.

وهذا لا يعني أنه علم مغلق عن الدراسة و المراجعة والتصحيح حسب قواعد الشريعة وأصولها بل يعد هذا العلم أخصب العلوم المصنفة تصنيفاً شرعياً للمراجعة و التنقيح نظراً لتعدد مادته التكوينية وتأثره بأكثر من محور معرفي،ومن المناسب هنا أن أشير إلى موارد المراجعة والتصحيح الممكنة بل والمقترحة في كثير من كتب أصول الفقه المصنفة من قِبل كثير من أتباع الأئمة:

1 - المورد العقدي في جملة من المسائل الأصولية التي ذكرها متكلمة المعتزلة المصنفين في أصول فقه الحنفية، وذكرها متكلمة الأشعرية المصنفين في أصول فقه الشافعية و المالكية كالجوينى وأبي حامد الغزالي و الرازي وهم من الشافعية و أمثالهم.

ولعل من أخص مسائل هذا المورد كثير من المسائل المذكورة في التكليف و أحكام خطاب الشارع و حكم العقل، وهذا يغلب عليه أنه نتيجة لمقولات عقدية يذكرونها في كتب أصول الدين التي صنفوها لتقرير المذهب العقدي عند المعتزلة والأشعرية، وأكثرها يلحق بترتيب على القول في مسائل القدر والإرادة والتعديل و التجويز التي بحثها أمثال القاضي عبدالجبار بن أحمد المعتزلي في كتبه العقدية كالمغني و شرح الأصول و المحيط بالتكليف وشرحها علماء الأشاعرة المتكلمة في مثل التمهيد للقاضي الباقلاني والشامل و الإرشاد للجوينى ونهاية الإقدام للشهرستاني و أصول الدين للبغدادي والمطالب العالية ونهاية العقول و الأربعين لابن الخطيب الرازي، وغاية المرام للآمدي وغيرها. وهذه التراتيب على المقولات العقدية لا تختص بهذه المسائل بل ثمت أثر عقدي في مسائل أخرى.

وهنا إشارتان:

أ ـ أن هذه التراتيب ليست لازمة في بعض الأحوال لما اعتبرت به من المقولات العقدية، وهذا ما قرره الإمام ابن تيمية في كلامه عن جملة من مسائل التكليف الأصولية التي بنيت على الخلاف العقدي في القدر بين المعتزلة و الأشعرية وهذا المعنى أشار إليه بعض محققي نظار المتكلمين و الأصوليين، و ثمت قدر من هذه التراتيب هو معتبر بالمقولات العقدية بلا منازعة.

ب ـ أن هذه التراتيب المبنية على المقولات العقدية تصاغ كثيراً في الكتب الأصولية خلافاً بين الحنفية والشافعية و تراها من حيث المبنى أو الذكر خلافا بين المعتزلة و الأشعرية في الكتب العقدية، وعند التحقيق فإن أئمة المذاهب الفقهية كالشافعي و أبي حنيفة ليسوا على اتصال بهذا التقرير الأصولي المرتب وكذا كبار أصحابهم المتقدمين،ويقع في كثير من كتب الأصول المتأخرة مقالات مخالفة لمذهب الأئمة المتقدمين -الأئمة الأربعة وغيرهم هي عند التحقيق مقالات للمعتزلة أو نحوهم من الطوائف الكلامية المخالفة لمقالات أئمة السلف أهل السنة والجماعة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير