بعد أن استعرضنا الاختلاف الجوهرى بين القياس الأصولى والقياس المنطقى
لابد أن نتعرف على موقف علماء المسلمين من استخدام المنطق كاستدلال عقلى فى علوم الشريعة
1 - المؤيدون
ومن أبرزهم بالطبع الامام الغزالى القائل أن من لا يحيط بالمنطق لا ثقة بعلومه أصلا
ولكن هل هذا القول يعنى أن الغزالى يأخذ بالاستدلال المنطقى بعجره وبجره؟؟؟؟
تأمل معى ذلك النقل عن الغزالى
(اذ ربما ينظر فى المنطق من يستحسنه ويراه واضحا فيظن أن ما ينقل عنه من الكفريات
مؤيدة بتلك البراهين فاستعجل بالكفر قبل الانتهاء الى العلوم الإلهية)
وتأمل هذا أيضا
(لهو نوع من الظلم فى هذا العلم وهو أنهم يجمعون للبرهان شروطا يعلم أنها تورث اليقين لا محالة ولكنهم عند الانتهاء الى المقاصد الدينية ما أمكنهم الوفاء بتلك الشروط بل تساهلوا غاية التساهل)
انه ينقد المنطق ويقر أنه قد يوصل للكفريات ان اسىء استخدامه بل ويصفه أنه قاصر عن أن يوصل الانسان الى اليقين فى الالهيات
ولكن مادام المنطق- بالنسبة له – يحمل تلك السلبيات ما الذى دعاه الى استخدامه؟؟
يقول (لعل الناظر بالعين العوراء نظر الطعن والازدراء ينكر انحرافنا عن العادات فى تفهيم العقليات القطعية بالأمثلة الفقهية الظنية فليكف عن غلوائه فى طعنه وإزرائه وليشهد على نفسه بالجهل بصناعة التمثيل وفائدتها لم توضع الا لتفهم الأمر الخفى بما هو الأعرف عند المخاطب المسترشد ليقيس مجهوله الى ما هو معلوم عنده فيستقر المجهول فى نفسه فإن كان الخطاب مع نجار لا يحسن الا النجر وكيفية استعمال آلاته وجب على مرشده ألا يضرب له المثل إلا من صناعة النجارة ليكون ذلك أسبق الى فهمه وأقرب الى مناسبة عقله) معيار العلم
ترى هل كان يقصد الغزالى الى استخدام المنطق للرد على المعتزلة بفكرهم الشائع فى عصره
أم ترى كان يقصد الرد على الفلاسفة الذى قصم ظهرهم فى التهافت؟؟؟
سواء أكان هذا أم ذاك فان تجربة الغزالى العقلية فريدة ونادرة الحدوث وتحرير موقفه من علم المنطق- بالجمع من مصنفاته كلها- يحتاج لرسالة جامعية لا مشاركات مقتضبة كتلك
ولكنه بالإتفاق يصلح كنموذجا للعلماء الذين تأثروا بالمنطق وأثروا فيه
وبعدها ننطلق الى فئة أخرى حرمت الاشتغال بعلم المنطق وكان موقفهم موقف الرافض الذى يخشى على الإسلام والمسلمين من افساد دينهم ودنياهم بالمنطق الأرسطى
عن النووى وابن الصلاح وابن تيمية نتحدث
يتبع بإذن الله تعالى
راجى يوسف
ـ[راجى يوسف]ــــــــ[14 - 05 - 10, 03:22 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
2 - الرافضون
عندما نتكلم عن محرمى الاشتغال بالمنطق تبرز أسماء لامعة كالنووى وابن الصلاح وابن تيمية والسيوطى وغيرهم
وسننتقى منهم الامام ابن تيمية الذى عبر عن موقفه فى مصنفه (الرد على المنطقيين)
وانتقائنا للإمام ليس عشوائيا ولكن من طالع مصنفه يجد أمامه موسوعة منهجية متكاملة
وليس مجرد فتوى تحرم الإشتغال بالمنطق
ويمكن أن نقسم رد الإمام الى جانبين رئيسين
جانب سلبى ابرز فيه-بالحجج- تهافت علم المنطق – من وجهة نظره- واعتمد فيه على من نقدوا منطق أرسطو قبله كالمدرسة الرواقية والسفسطائية كما أسلفنا
وجانب ايجابى ابرز فيه منهجه الفكرى فى الاستدلال
ويمكن أن نرجع تحريمه للمنطق الى خوفه على العقلية الاسلامية من أمرين
1 - انكار المنطق الأرسطى لمنهج التواتر مما يؤدى الى انكار جملة من المتواترات
كالنص القرآنى والأحاديث المتواترة وتواتر اجماع الأمة على المعلوم من الدين بالضرورة
2 - ارتباط المنطق الأرسطى بالميتافيزيقا اليونانية كإنكارهم علم الإله بالجزئيات
لأن العلم الكلى هو الأكمل – من وجهة نظرهم-
ونحن لا نشك فى إخلاص الإمام وإشفاقه على العقلية الإسلامية من أن تصاب بتلك اللوثات
ولكن
هل فعلا أصابت تلك الأمراض الفكرية المشتغلين بالمنطق؟؟؟؟؟؟؟؟
سوف أذكر القارىء بنقطتين وله بعدها أن يحكم بما شاء
1 - أول من رد على الفلاسفة وقصم ظهورهم كان الغزالى فى التهافت بل وكفرهم
فى قولهم بعلم الإله بالكليات دون الجزئيات والغزالى هو من هو فى علم المنطق
بل ويعتبر المتهم الأول – فى نظر ابن تيمية- بمزج الشرعيات بعلم المنطق
وان كان قد سبقه الإمام ابن حزم فى ذلك
2 - لم نعرف عالما شرعيا واحدا أنكر حجية المتواتر فى إفادة العلم اليقينى
بل وأكثر أمم الأرض معترفة بحجية التواتر ولم ينكره غير بعض الشواذ فكريا
كالشكاك (السفسطائية) ومن تابعهم
قد تكون بعض الأمراض الفكرية قد تسللت فعلا الى الفلاسفة المسلمين الذين أذعنوا وانماعوا وخضعوا للفكر اليونانى بعجره وبجره ولكن أحسب أن المتشرعة قد تحصنوا بما
لديهم من عقيدة سليمة ونصوص بينة
ويمكن للقارىء أن يراجع مواقف الأشاعرة من الترهات اليونانية
مثل نقدهم للعلة الأرسطية والحد الأرسطى وقانون عدم ارتفاع النقيضين وغيرهم كثير
من حق الإمام ابن تيمية أن تكون له منهجية فى الأستدلال ومن حقه نقد المنطق الأرسطى
وهذا لا ننازع فيه أصلا
ولكن السؤال
هل كان المحرمون محقون فى تحريمهم لعلم المنطق سدا للذريعة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
يتبع بإذن الله تعالى
¥