ـ[أبو همام عبد الحميد الجزائري]ــــــــ[21 - 05 - 09, 06:36 م]ـ
الفائدة 96
المثال الرابع: قوله: يريد أن ينقض.
قالوا: الجدار لا يريد!!
1ـ فنحن نقول لهم: أأنتم أعلم بخلق الله أم الله؟
إن قالوا: نحن أعلم. كفروا، و إن قالوا: الله أعلم.
قلنا: الله أثبت إرادة للجدار، كيف أنتم تقولون: لا.
2ـ ثم نقول لهم: أو ليس الحجر قد هرب بثوب موسى!، فمن الذي أرغمه، أو هو أراد؟
الجواب: هو أراد، و لهذا جعل موسى يضربه و يناديه: ثوبي حجر.
إذن له إرادة.
3ـ و كذلك أيضا نقول لهم: إن الله عز وجل يقول: (تسبح له السماوات السبع و الأرضُ و من فيهن و إن من شيء إلا يسبح بحمده) الإسراء /44.
أيسبح بإرادة أو بغير إرادة؟، لو كان بغير إرادة فلا مدح له، و لا يُمدح من يفعل بغير إرادة.
إذا هذه المخلوقات العظيمة لها إرادة، لكن لا نفهم نحن إرادتها، يفهمها من يعلمها، وهو الله، و يخبرنا عنها.
4ـ و ها هو النبي صلى الله عليه و سلم يقول: (أُحُد جبلٌ يحبنا و نحبه).
أهل المجاز يقولون في هذا الحديث: كيف؟!
لا يحبنا و لا نحبه، لأنه حجر جماد، كيف يحب؟!
و نحن لا نحبه، لأننا لا نحب إلا الذي يماثلنا، نحب الزوجة، لا بأس.
و بهذا يتبين ضعف هذه الأقوال، و أنها محدثة، فإن الصحابة و التابعين لم يتكلموا بالمجاز، و لم يقسموا الكلام إلى هذه التقسيمات، فهم يفهمون أن المتكلم مراده بمقتضى سياق الكلام.
الفائدة 97
شبهة تنسب إلى الإمام أحمد و الرد عليها؟!!
لكن إذا قال قائل: ما تقول في قول الامام أحمد، و هو ذاك الرجل، لما قيل له:
إن الله يقول: إنا نحن نزلنا. و أشباهها، و هذه تدل على الجمع، و الله واحد أحد.
قال: هذا من مجاز الكلام؟
فقد استدل الذين يقولون: إن الكلام ينقسم إلى حقيقة و مجاز بهذه الكلمة من الإمام أحمد، فقالوا: إن في الكلام مجازا و حقيقة.
و يجاب عن ذلك بأنهم لم يفهموا مراده، فمعنى قوله: مجاز الكلام.
يعني مما يجوزه الكلام، و ليس من باب المجاز الذي هو ضد الحقيقة، فالمعنى أنه يجوز في الكلام أن ينزل الانسان نفسه منزلة الجمع بناء على التعظيم، فالله تعالى لا شك أنه أعظم من كل شيء، و نزل نفسه منزلة الجماعة، لأنه عظيم عز و جل، فلذلك نقول: إنه لا دلالة في كلام الامام أحمد على تقسيم الكلام إلى حقيقة و مجاز.
الفائدة 98
و خلاصة القول:
أننا نرى أن اللغة لا تنقسم إلى مجاز و حقيقة.
لأننا نرى أن الذي يعين المعنى هو السياق، أما اللفظ المجرد و الكلمة المجردة فلا معنى لها إلا بسياقها، و لهذا تكون هذه الكلمة في سياق لها معنى، و في سياق آخر لها معنى آخر.
مثال ذلك:
رجل قال: أنا عندي عين منقودة
و قال الآخر: أنا عندي عين جارية.
و قال الثالث: أنا عندي عين ترى البعيد.
فكلها عين، و كل الأمثلة الثلاثة مختلفة، و ما الذي جعلها مختلفة؟
الجواب: السياق، و الغريب أن القائلين بالمجاز يرون أن هذه الكلمة مستعملة في حقيقتها في كل السياقات الثلاثة الماضية.
فقول الأول: أنا عندي عين منقودة. المراد الذهب، لأنه منقود.
و قول الثاني: أنا عندي عين جارية. المراد الماء.
و قول الثالث: أنا عندي عين ترى البعيد. المراد العينُ هو السياق.
فكلها مستعملة في حقيقتها، و الذي عين المعنى هو السياق.
لذلك هناك من يقول: كيف نجيب عن (و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة) و الآيات الأخرى ...
فحقيقة الكلام هو ما دل عليه الكلام في سياقه، فإذا دل الكلام على شيء في سياقه فهذا حقيقة، و لهذا إذا أردت أن تصرف المعنى الذي دلّ عليه السياق إلى معنى آخر قال لك الناس:
هذا خطأ، خالفت الظاهر.
ثم قولهم: إن المجاز هو الذي يتبادر خلافه لولا القرينة.
نقول: هذه القرينة اجعلها حقيقة.
ثم إن المجاز توصل به الآن إلى معان باطلة، فقد توصل به إلى نفي صفات الله عز و جل، و توصل به إلى إبطال أحكام شرعية فقهية حيث حملت على المجاز، فصار فتحَ باب للشر، و لذلك سماه ابن القيم رحمه الله في النونية الطاغوت!، لأنه استعمل لإبطال الحقائق الشرعية.
الفائدة 99
مبحث في المشترك والمتواطئ و المشكك (إن قيل به)
المشترك: ما دل على معاني متعددة للحقيقة (كمثال العين المنقودة و الجارية و الباصرة)، حقيقة ليس مجازا.
لكن الأسد على تقسيم الحقيقة و المجاز، الحيوان حقيقة، و الرجل الشجاع مجاز، فلو قلت:
1ـ رأيت أسدا يفترس شاتا: حيوان حقيقة.
2ـ رأيت أسدا ذبح شاتا و سمّى و كبّر!: الانسان الشجاع، ما الذي دل على هذا المعنى؟: السياق.
المتواطئ: الذي دل على جميع معانيه بدون اختلاف.
و المشكك: إن قيل به فهو الذي دل على معانيه مع الاختلاف.
ـ مثاله القوة: بالنسبة لنا ضعيفة، و بالنسبة لله قوية، و كل هذا يسمى قوة، هذا يسميه بعض الناس مشككا، لأن هل كلمة القوة مستعملة في معناها الحقيقي بالنسبة لله و بالنسبة للآدمي؟ (و ذلك لاختلاف أغراضها في معناها).
وجب أن نقول أنها كلمات متواطئة يختلف بحسب ما أضيف إليه، و هذا الذي رجّحه شيخ الاسلام رحمه الله.
ـ راجعوا إذا شئتم كلام ابن القيم في مختصر الصواعق، تكلم على هذا كلاما جيدا!.
الفائدة 100
ليُعْلَم أنّ هذه الأنواع الأربعة ليست هي كل أنواع المجاز، فالمجاز له أنواع كثيرة، ذكروها في كتب البلاغة.
و الإنسان إذا راجع كتب البلاغة قال إن الكلام قطعا ينقسم إلى حقيقة و مجاز، و لكن إذا راجع القول الآخر تبين له الحق.
.............................. يتبع بعون الله و توفيقه
¥