ومعنى الواو مع لو: حتى لو كان الهدف أو العدو أو المقصود هو ابن ذي يزن الفارس القائد المشهور، ولو كان غمده أو حصنه هو ذلك الحصن الشهير بصنعاء اليمن غمدان الذي ظنوا أنه لن تناله يد الدهر بالفناء فنالته.
وواضح أن ما بين (غُمد) و (غُمدان) من تجنيس مضارعة يحدث نوعًأ من التوافق الصوتي في مقابل تشتت الشاعر الواقعي، ومع أنَّ الموت والفناء هما الحقيقة التي لا يشك أحد في صحتها ووجوب وقوعها فإن الشاعر على غير مقتضى الظاهر راح يستحضر وقائع يؤكد بها تلك الحقيقة ويعمقها ويمطط ويختصر ويقدم ويؤخر، ويكشف ذلك عن سيطرة الإحساس بالتناهي والفناء على وعي الشاعر وتجربته، فضلًا عن أنَّ مقتضى معرفة الناس بالحقيقة الكبرى وهي الموت والفناء لم يتحقق، فلم يترتب على تلك المعرفة سلوك يدل على أنَّ الناس قد تأثروا بها وارعووا.
6 - أين الملوكُ ذوو التيجان من يمنٍ ## وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ
يتبدَّى التجنيس والتكرار الصوتي على هذا النحو:
أين ?من يمن ? وأين منهم
الملوك ذوو التيجان ? أكاليل وتيجانُ
والتوافق الصوتي يكشف عن الإحساس برتابة التجربة الإنسانية في مواجهة الموت، والتكرار الصوتي يمثل للتكرار الواقعي، فمع مرور العصور تتكرر الوقائع، ونزول الممالك، وينتهي الجميع إلى فناء، تجربة تتكرر كل يوم.
والاستفهام بـ (أين) مجازي لا يُطْلَبُ به جوابًا، وهو يعبِّر عن الإحساس بالفقدان؛ لأنه سؤال يطلب به حصول التصور مجازًا، لما لم يَعُدْ له تصور معلوم فقد ذهب الملوك ولم يبق منهم أكاليل وتيجان.
وقد يكون سؤاله عن ملوك اليمن خاصة في البدء نوعًا من تداعي المعاني، حيث تحدَّث آنفًا عن الحصن اليمني غمدان، والسؤال الأول استفهام عن مكان الملوك وهم أكثر تعرضًا للفناء من تيجانهم، فالتيجان تورث من ملك إلى ملك.
والسؤال عن الأكاليل والتيجان يعني أنَّ تلك الممالك والملوك والمُلك لم يعد لها أثر.
وقد تدرَّج التركيب من الخاص إلى العام.
أين الملوك ?استفهام عن الملوك بعامة
أين الملوك ذوو التيجان ?استفهام عن الملوك ذوو التيجان بخاصة
أين الملوك ذوو التيجان من يمن ?استفهام عن الملوك ذوو التيجان من يمن بخاصة
والشاعر ينهج نهج الشعراء القدماء في حديثهم عن الزمن والدهر والموت والفناء. قال الشاعر الجاهلي عدي بن زيد العبادي:
إنَّ للدهر صولةٌ فاحذرنها لا تبيتنَّ قد أمنتَ الدهورا
قد ينام الفتى صحيحًا فيردى ولقد بات آمنًا مسرورًا
فاسأل الناس أين آل قيس طحطح الدهر قبلهم سابورا
وبنو الأصفر الكرام مُلُو ك الروم لم يبق منهم مذكورا
أين أين الفرار ممن سيأتي لا أرى طائرًا نجا أن يطيرا
فالسؤال بـ (أين) في مواجهة الزمن والفناء قديم صَاحَبَ موضوع الشكوى من الزمن منذ بدأ الشاعر العربي يتأمل الوجود ويشكل موقفه شعرًا، ويواجه بالشعر عالمه ووجوده الخاص والعام.
7 - وأين ما شاده شداد في إرمٍ ## وأين ما ساسه - في الفرسِ - ساسان
يمثل تكرار الشين وتكرار السين صوتيًّا لما يمكن أن يكون همسًا من الشاعر للمتلقي، فكأننا به يُسِرُّ لنا بهذا الحديث.
والاستفهام بـ (أين) يتضمن نوعًا من التهكم الخفي بتلك الممالك التي بادت.
والجناس الصوتي يمثل نوعًا من الهندسة الصوتية.
وقد اشتق الشاعر فعلًا يتوافق مع حروف (شداد وساسان) فجاء (شاد) و (ساس)، وكل كلمتين بينهما جناس المضارعة.
ويتضمن الاستفهم إلى جانب التهكم أنَّ ما شاد شداد في إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، وأن ما ساسه ساسان في الفرس لم يبقَ منه شيء، فمعلوم أن هذا السؤال وإن جيءَ له بجواب فإنَّ جوابه معلوم ضمنًا مسبقًا.
8 - وأين ما حازه قارون من ذهبٍ ## وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ
يجيء الاستفهام عن نوع آخر من نعيم الدنيا وهو المال أو الذهب الذي يرمز إليه، ويكون الاستفهام عن ما حازه قارون من ذهب، ثم استفهام عن عاد وهي قبيلة عاد التي بعث فيها نبي الله هود – عليه السلام – فقالوا: من أشد منا قوة.
وشداد سيد إرم ذات العماد، وقحطان أبو العرب العاربة، وقيل: أبو اليمن.
والمدات في (حاز. هو. قا. رو. عا. دا. طا)، وتتابع أصوات النون، سواء من حرف النون أو التنوين يمثل صوتيًّا لتجربة الأسى والحزن التي تقترن بالإحساس بالفقد بالنسبة للمصير الإنساني.
¥