ثم إن أهلها النصارى كانوا يثورون على تبعيتهم للحكم الإسلامي بين الفترة والأخرى فلهذا تكررت الغزوات على قبرص في الأعوام: 130، 158، 184، 190 هـ، وقبيل البدء بالحركة الصليبية وجه ملك القسطنطينية (نقفور) أسطولاً إلى قبرص عام 965م =؟؟ هـ، فاحتلها فأصبحت سنداً بالغ الأهمية للصليبيين، وبعد استرجاع بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي اتجه ريتشارد قلب الأسد إلى قبرص وجعلها قاعدة له عام 1191م =؟؟ هـ، وفي عام 1198م =؟؟ هـ أصبحت مملكة، وأصبح ملكها موجهاً للمغول للقضاء على المسلمين، وأصبحت عام 1248م =؟؟ هـ قاعدة للملك لويس التاسع عند غزوة مصر.
وفي عام 1263 م =؟؟ هـ وحّد ملك قبرص (هيو) قبرص وعكا التي كانت ما تزال بيد الصليبيين، فأصبح مسؤولاً عن حماية عكا آخر معاقل الصليبيين في الشرق.
وفي عام 1291م =؟؟ هـ حرر المسلمون عكا، وأضحت قبرص بعدها مركز تهديد للشواطئ الإسلامية؛ لذلك كان الملك الأشرف خليل محرر عكا ينادي دوماً: قبرص .. قبرص .. قبرص، غير أن تهديدات المغول أعاقته عن تنفيذ أهدافه.
اتخذ القبارصة من جزيرتهم مركزًا للوثوب على الموانئ الإسلامية في شرق البحر المتوسط وتهديد تجارة المسلمين، فقام "بطرس الأول لوزجنان" ملك قبرص بحملته الصليبية على الإسكندرية في سنة (767هـ = 1365م)، وأحرق الحوانيت والخانات والفنادق، ودنس المساجد وعلق القبارصة عليها الصلبان، واغتصبوا النساء، وقتلوا الأطفال والشيوخ، ومكثوا بالمدينة ثلاثة أيام يعيثون فيها فسادا، ثم غادروها إلى جزيرتهم، وتكررت مثل هذه الحملة على طرابلس الشام في سنة (796هـ = 1393م).
وظلت غارات القبارصة لا تنقطع على الموانئ الإسلامية، ولم تفلح محاولات سلاطين المماليك في دفع هذا الخطر والقضاء عليه، وبلغ استهانة القبارصة بهيبة دولة المماليك واغترارهم بقوتهم أن اعتدى بعض قراصنتهم على سفينة مصرية سنة (826هـ = 1423م)، وأسروا من فيها، ولم تفلح محاولات السلطان برسباي في عقد معاهدة مع "جانوس" ملك قبرص، تَضْمن عدم التعدي على تجار المسلمين.
وتمادى القبارصة في غرورهم، فاستولوا على سفينتين تجاريتين، قرب ميناء دمياط، وأسروا من فيهما، وكانوا يزيدون على مائة رجل، ثم تجاوزوا ذلك فاستولوا على سفينة محملة بالهدايا كان قد أرسلها السلطان برسباي إلى السلطان العثماني "مراد الثاني"، عند ذلك لم يكن أمام برسباي سوى التحرك لدفع هذا الخطر، والرد على هذه الإهانات التي يواظب القبارصة على توجيهها لدولة المماليك، واشتعلت في نفسه نوازع الجهاد، والشعور بالمسئولية، فأعد ثلاث حملات لغزو قبرص، وذلك في ثلاث سنوات متتالية.
الحملات الثلاث
خرجت الحملة الأولى في سنة (827هـ = 1424م)، وكانت حملة صغيرة نزلت قبرص، وهاجمت ميناء "ليماسول"، وأحرقت ثلاث سفن قبرصية كانت تستعد للقرصنة، وغنموا غنائم كثيرة، ثم عادت الحملة إلى القاهرة.
شجع هذا الظفر أن يبادر برسباي بإعداد حملة أعظم قوة من سابقتها لغزو قبرص، فخرجت الحملة الثانية في (رجب 828هـ = مايو 1425م) مكونة من أربعين سفينة، واتجهت إلى الشام، ومنها إلى قبرص، حيث نجحت في تدمير قلعة ليماسول، وقُتل نحو خمسة آلاف قبرصي، وعادت إلى القاهرة تحمل بين يديها ألف أسير، فضلاً عن الغنائم التي حُملت على الجمال والبغال.
وفي الحملة الثالثة استهدف برسباي فتح الجزيرة وإخضاعها لسلطانه، فأعد حملة أعظم من سابقتيها وأكثر عددا وعُدة، فأبحرت مائة وثمانون سفينة من رشيد في (829هـ = 1426م)، واتجهت إلى ليماسول، فلم تلبث أن استسلمت للقوات المصرية في (26 من شعبان 829هـ = 2من يوليو 1426م)، وتحركت الحملة شمالا في جزيرة قبرص، وحاول ملك الجزيرة أن يدفع القوات المصرية، لكنه فشل وسقط أسيرا، واستولت القوات المصرية على العاصمة "نيقوسيا"، وبذا دخلت الجزيرة في طاعة دولة المماليك.
واحتفلت القاهرة برجوع الحملة الظافرة التي تحمل أكاليل النصر، وشقّت الحملة شوارع القاهرة التي احتشد أهلها لاستقبال الأبطال في (8 من شوال 829هـ = 14 من أغسطس 1426م)، وكانت جموع الأسرى البالغة 3700 أسير تسير خلف الموكب، وكان من بينها الملك جانوس وأمراؤه.
استقبل برسباي بالقلعة ملك قبرص، وكان بحضرته وفود من أماكن مختلفة، مثل: شريف مكة، ورسل من آل عثمان، وملك تونس، وبعض أمراء التركمان، فقبّل جانوس الأرض بين يدي برسباي، واستعطفه في أن يطلق سراحه، فوافق السلطان على أن يدفع مائتي ألف دينار فدية، مع التعهد بأن تظل قبرص تابعة لسلطان المماليك، وأن يكون هو نائبا عنه في حكمها، وأن يدفع جزية سنوية، واستمرت جزيرة قبرص منذ ذلك الوقت تابعة لمصر، حتى سنة (923هـ = 1517م) التي سقطت فيها دولة المماليك على يد السلطان العثماني "سليم الأول".
فاستقل النصارى حينئذ بقبرص لبضعة وسبعين عاما
ثم إن العثمانيين فتحوا قبرص عام 1573م =؟؟ هـ
ثم احتلها البريطانيون عام 1878م =؟؟ هـ
ثم أصبحت مستقلة عام 1945م =؟؟ هـ
ومن أيام استقلالها عن البريطانيين وهي مقسومة إلى شطرين شطر مسلم (وهو التركي) وشطر نصراني (وهو اليوناني)
نسأل الله تعالى أن يعيدها وجميع بلاد المسلمين السليبة إلى حوزة الإسلام، وأن ينعم على أهلها بتحكيم الشريعة الغرّاء.
مراجع:
[الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 600، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 488، السيوطي، تاريخ الخلفاء ص 123 الذهبي، تاريخ الإسلام ج 3/ص 325]
¥