[لماذا أثنى ابن باديس على أتاتورك؟]
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[11 - 02 - 07, 05:19 م]ـ
[لماذا أثنى ابن باديس على أتاتورك؟]
من الانحرافات التي شاعت في هذه السنوات الأخيرة مؤاخذة الناس بالثناء على آخرين، ليس لأنهم أثنوا عليهم فحسب، بل لكون الثناء يسلتزم حتما موافقة من أثني عليه فيما أخطأ فيه، وإن كان الثناء خاصا بجهة من الجهات وصفة من الصفات بدلالة الحال أو المقال فإنه لا يقبل أيضا ويجرَّم صاحبه بأنه ممن يقول بالموازنة!! وزيادة على ذلك فهم يجعلون قولهم قطعيا لا يقبل فيه العذر ولا الخلاف، وحتى العلماء الذي ماتوا قبل أن يسمعوا مقالتهم فإنهم مؤاخذون، ولو كانوا على الجادة يحسنون الظن بالمسلمين أو كانوا يرون انفكاك الجهة بحيث يجوز عندهم الثناء على المرء في جانب دون جانب آخر.
ومن ضحايا غزاة الأعراض ونباش القبور في هذا الزمان، العلامة ابن باديس رحمه الله تعالى فقد اتهم بعد عقود من وفاته بالثناء على مصطفى كمال وبالثناء على عمر المختار والزمخشري وغيرهم من الأعلام، وأول من أثار هذه المسألة صاحبة التقرير الذي عنوانه:"الرد الوافي على من زعم أن ابن باديس سلفي"، وهو تقرير مليء بالجهل والتلبيس والعدوان، وقد فندت بحمد الله تعالى ما فيه في كتاب الرد النفيس على الطاعن في العلامة ابن باديس، وقد صدر منه الجزء الأول بعنوان:"أصول الدعوة السلفية عند ابن باديس "، وفي انتظار صدور الكتاب كاملا نعجل برد شبهة الثناء على أتاتورك عبر صفحات هذا الموقع المبارك، وذلك بناء على طلب بعض الإخوان، الذين رأوا أن هذه الشبهة قد أثرت على بعض الأفاضل أو حيرتهم، نسأل الله تعالى أن يهدينا وأن يستر عيوبنا.
لقد اتخذت الكاتبة من مقال كتبه الشيخ ابن باديس أظهر فيه جوانب العظمة عند مصطفى كمال ذريعة للطعن في منهجه، وغلت في التشنيع والإنكار وتعديد أوجهه، وقد أبانت عن تحامل واضح وتكلُّف ظاهر في مسألة لا أظنها ذات وزن كبير في الحكم على منهج ابن باديس، ولست أوافق ابن باديس أصلا على الكتابة في هذا الموضوع بالطريقة التي سلك مهما كان القصد، وذلك على الأقل من باب قول القائل:" إياك وما يعتذر منه"، لكني أعلم أن للشيخ رحمه الله عذرا في ذلك بل أعذارا، ومن أدب الإسلام أنك إن رأيت خطأ من أخيك أن تلتمس له الأعذار، فإن لم تجد له قلت لعل له عذرا، فكيف بعالم من كبار علماء الزمان وأحد مجددي القرن في الغرب الإسلامي؟ وهذا ما أحاول توضيحه في هذا المبحث.
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[11 - 02 - 07, 05:40 م]ـ
المطلب الأول: مقصد ابن باديس وعذره
فأقول إن الشيخ ابن باديس قد نشر مقالا في جريدة النجاح عدد 152 بتاريخ 28مارس 1924م، بعد أن بلغه خبر سقوط الدولة العثمانية سماه» الفاجعة الكبرى أو جنايات الكماليين على الإسلام والمسلمين ومروقهم من الدين «، وهذا حكم منه بردة مصطفى كمال وأتباعه عن الإسلام، وسيأتي نقله برمته، ولكنه خفف اللهجة بعد ذلك في المقال الذي كتبه عام هلاك مصطفى كمال، والذي ينبغي على كل منصف ومبتغ لتحري الحقائق أن يتساءل أولا: ما هو سر هذا التحول في اللهجة التي تحدث بها عن هذا الرجل، حيث صرح أولا بكفره وسكت آخرا عن التصريح بذلك، ولقد رأيت أن أتتبع كل ما قاله ابن باديس عن هذا الرجل وكذا كل ما كتب في الشهاب عنه في مدَّة حكمه لعلِّي أجد العذر الذي أبحث عنه، ولقد وجدت في الشهاب أشياء ربما هي التي جعلت الشيخ يتورع عن التصريح بكفر مصطفى كمال مع إقراره بخطئه وضلاله، وسأنقلها لأهل الإنصاف وليسهل فهم مراد ابن باديس بتلك الترجمة وسر تراجعه عن اللهجة الشديدة.
فأما تعظيم مصطفى كمال فإنه لم يكن تعظيما من كل وجه كما أوهمت الكاتبة المتحاملة، بل كان منصبا على جوانب سماها جوانب العظمة وهي جوانب دنيوية وقومية بحتة فالرجل قلب كل الموازين، وتحرر من كل القيود (بما فيها الدينية) وهزم أعداء قومه المستعمرين، وحدَّث وسائل التعليم وأدخل عناصر المدنية إلى بلده …الخ
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[11 - 02 - 07, 05:41 م]ـ
¥