أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ، وَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ لَهُ: يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، أَنَا وَاللَّهِ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ. أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَعَامَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ الدَّوَابِّ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا؛ فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكَ إِلَّا إِيَّاهُ قَالَ: فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا. رواهُ مسلمٌ.
" وَمُبِيرٌ ": أَيْ مُهْلِكٌ يُسْرِفُ فِي إِهْلَاكِ النَّاسِ يُقَالُ: بَارَ الرَّجُلُ يَبُورُ بَوْرًا. فَهُوَ بَائِرٌ , وَأَبَارَ غَيْرَهُ , فَهُوَ مُبِيرٌ وَهُوَ الْحَجَّاجُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي الْإِهْلَاكِ مِثْلَهُ.
فوائدُ من القصةِ:
سأنقلُ بعضَ تعليقاتِ الإمامِ النووي على القصةِ من " شرح مسلم ".
1 - قولُ ابنِ عمرَ: أَبَا خُبَيْبٍ. قال الإمامُ النووي في " شرح مسلم ": بِضَمِّ الْخَاء الْمُعْجَمَة كُنْيَة اِبْن الزُّبَيْر , كُنِّيَ بِابْنِهِ خُبَيْب , وَكَانَ أَكْبَر أَوْلَاده , وَلَهُ ثَلَاث كُنًى ذَكَرَهَا الْبُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَآخَرُونَ: أَبُو خُبَيْب , وَأَبُو بَكْر , وَأَبُو بُكَيْرٍ.ا. هـ.
2 - فِيهِ اِسْتِحْبَاب السَّلَام عَلَى الْمَيِّت فِي قَبْره وَغَيْره , تَكْرِير السَّلَام ثَلَاثًا كَمَا كَرَّرَ اِبْن عُمَر.ا. هـ.
3 - وَفِيهِ الثَّنَاء عَلَى الْمَوْتَى بِجَمِيلِ صِفَاتهمْ الْمَعْرُوفَة.ا. هـ.
4 - وَفِيهِ مَنْقَبَة لِابْنِ عُمَر لِقَوْلِهِ بِالْحَقِّ فِي الْمَلَأ , وَعَدَم اِكْتِرَاثه بِالْحَجَّاجِ ; لِأَنَّهُ يَعْلَم أَنَّهُ يَبْلُغهُ مَقَامه عَلَيْهِ , وَقَوْله , وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ , فَلَمْ يَمْنَعهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُول الْحَقّ , يَشْهَد لِابْنِ الزُّبَيْر بِمَا يَعْلَمهُ فِيهِ مِنْ الْخَيْر , وَبُطْلَان مَا أَشَاعَ عَنْهُ الْحَجَّاج مِنْ قَوْله: إِنَّهُ عَدُوّ اللَّه , وَظَالِم , وَنَحْوه , فَأَرَادَ اِبْن عُمَر بَرَاءَة اِبْن الزُّبَيْر مِنْ ذَلِكَ الَّذِي نَسَبَهُ إِلَيْهِ الْحَجَّاج , وَأَعْلَم النَّاس بِمَحَاسِنِهِ , وَأَنَّهُ ضِدّ مَا قَالَهُ الْحَجَّاج.ا. هـ.
5 - وَصُولًا لِلرَّحِمِ: وَهُوَ الْمَعْرُوف مِنْ أَحْوَاله.ا. هـ.
6 - وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْكَذَّابِ هُنَا الْمُخْتَار بْن أَبِي عُبَيْد , وَبِالْمُبِيرِ الْحَجَّاج بْن يُوسُف. وَاَللَّه أَعْلَم.ا. هـ.
الحَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ عذابُ اللهِ:
قال عنه الحسن البصري: إن الحجاجَ عذابُ اللهِ، فلا تدفعوا عذابَ اللهِ بأيديكم، و لكن عليكم بالاستكانةِ والتضرعِ، فإنه تعالى يقول: " وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ " [المؤمنون:76].
الطبقات لابن سعد (7/ 164) بإسناد صحيح.
وبعد هذه النصوصِ في بيانِ بطشِ الحجاجِ وجبروتهِ، سؤالٌ يطرحُ:
هل كلُ ما قيل عن الحجاجِ صحيحٌ؟ أم أن فيهِ بعضُ التحاملِ على الرجلِ مما بالغت فيه بعضُ الطوائفِ والفرقِ؟
يجيبُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ - وهو من هو في التاريخِ؟؟ ويكفيك كتاب " البدايةِ والنهايةِ " لتعلمَ مدى معرفة الرجلِ بالتاريخِ - فيقول: وقد تقدم الحديث: " إن في ثقيف كذاباً ومبيراً " وكان المختار هو الكذاب المذكور في هذا الحديث، وقد كان يظهر الرفض أولاً ويبطن الكفر المحض، وأما المبير فهو الحجاج بن يوسف هذا، وقد كان ناصبياً يبغض علياً وشيعته في هوى آل مروان بني أمية، وكان جباراً عنيداً، مقداماً على سفك الدماء بأدنى شبهة.
¥