والعصمة عند أهل السنة والجماعة لم تثبت إلا للأنبياء والرسل عليهم الصلاة
والسلام فيما يبلغون عن الله ولم يقولوا بها لسواهم حتى لكبار الصحابة الذين خصهم
الله بالفضل: أبي بكر وعمر وغير هما [13].
هكذا غالى ابن تومرت في القول بالعصمة لنفسه فنهج بذلك نهج الرافضة
الاثنى عشرية [14] الذين قالوا بالعصمة لأئمتهم، مما أوقعهم في انحراف عقدي
خطير لأن: ( ... من جعل بعد الرسول معصوماً يجب الإيمان بكل ما يقوله
فقد أعطاه معنى النبوة وإن لم يعطه لفظها ... ) [15] ولم يكتف ابن تومرت
بهذا الادعاء بل إنه كان يأمر بقتل كل من يشك [16] في عصمته [17]، ولكي
يؤصل هذا الادعاء في نفوس أتباعه ألف لهم كتابه أعز ما يطلب [18].
2 - ادعى ابن تومرت أنه هو المهدي الذي وعد الرسول -صلى الله عليه
وسلم- بخروجه في آخر الزمان حيث قال في خطبته حيث مبايعته إماماً للموحدين
سنة515هـ: (الحمد لله الفعال لما يريد، القاضي بما يشاء، لا راد لأمره،
ولا معقب لحكمه، وصلى الله على سيدنا محمد المبشر بالهدى الذي يملأ الأرض
قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً، يبعثه الله إذا نسخ الحق بالباطل، وأزيل العدل
بالجور، مكانه بالمغرب الأقصى، واسمه اسم النبي، ونسبه نسب النبي .. ) [19].
ويلاحظ هنا كيف تجرأ ابن تومرت فكذب على الله ورسوله حيث عين مكان ظهور
المهدي بالمغرب الأقصى، مع أن الأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي لم تشر
إلى ذلك، وقد تلقى الموحدون هذ الادعاء بالقبول حيث يذكر ابن خلدون [20] أنه
بعد هذه البيعة أصبحوا يلقبونه بالمهدي، وكان لقبه قبلها الإمام!!.
وهكذا يبدو لنا أن الكذب على الله ورسوله، ووضع الأحاديث ونسبتها إلى
الرسول من الأسس العقدية التي قامت عليها دعوة ابن تومرت، وهم بهذا يحذون
حذو الرافضة الذين ملئوا كتبهم بالأحاديث والأخبار المكذوبة على الرسول -صلى
الله عليه وسلم -.
3 - أنه ألف لتلاميذه كتاباً سماه كتاب التوحيد بلسانهم البربري قسمه إلى سبعة
أحزاب عدد أيام الأسبوع، وأمرهم بقراءة حزب واحد في كل يوم بعد صلاة
الصبح [21]، وقد حوى هذا الكتاب الكثير من الأغاليط والشطحات في الأمور
العقدية، وحتى يضمن تأصيل ما في هذا الكتاب في نفوس أتباعه فإنه ألزمهم
بحفظه حيث يذكر ابن أبي زرع الفاسي أن ابن تومرت قال لأصحابه الموحدين:
( ... من لا يحفظ هذا التوحيد فليس بمؤمن وإنما هو كافر لا تجوز إمامته ولا
تؤكل ذبيحته فصار هذا التوحيد عند المصامدة كالقرآن العزيز ... ) [22].
بهذا جعل ابن تومرت نفسه شرعًا لأتباعه حيث ألزمهم بحفظ ما جاء به
وضمنه كتبه، وإذا كان الإسلام لم يلزم المسلم أن يحفظ من القرآن الكريم وهو
المنزل من عند الله سبحانه إلا قدر ما يقرأه في صلاته فإن ابن تومرت داعية
الموحدين الأول قد جعل مؤلفه أهم من القرآن حينما طالب الموحدين بحفظه!!.
4 - إن ابن تومرت أخذ من كل مذهب وفرقة إسلامية ما يلائم اتجاهاته ويخدم
أهدافه، ولهذا جاء تراث الموحدين الفكري خليطاً مضطرباً متأثراً بكثير من
النزعات الفكرية الضالة، فهو في مسألة الإمامة يقول برأي الرافضة حيث ضمن
كتابه (أعز ما يطلب) هذا الرأي، فقال حين حديثه عنها: (لا يصح قيام الحق في
الدنيا إلا بوجوب الإمامة في كل زمان إلى أن تقوم الساعة، ما من زمان إلا وفيه
إمام لله قائم بالحق ... ) [23]، كما وافق الرافضة في القول بعصمة الإمام - كما
أسلفنا-.
كذلك تأثر ابن تومرت بمذهب المعتزلة [24] في نفي الصفات عن الله تعالى،
ولهذا سمى أصحابه بالموحدين، لأنهم في رأيه هم الذين يوحدون [25] الله حقًّا
لنفيهم الصفات عن الله سبحانه وتعالى [26].
كما نهج ابن تومرت نهج الأشاعرة [27] في تأويل بعض صفات الله سبحانه
وتعالى [28].
5 - كفر ابن تومرت من لم يؤمن بما يقول ويعتنق ما يدعو إليه، واستباح دمه
حتى ولو كان من أتباعه [29]، كما قال بكفر دولة المرابطين ووجوب جهادها،
ولتأصيل هذا المبدأ في نفوس أصحابه فقد صرح في كل مناسبة، كما ضمنه كتبه
التي ألفها لهم ورسائله التي كان يبعثها إلى الموحدين حيثما كانوا.
ومما جاء في إحدى رسائله إلى أصحابه. (واعلموا وفقكم الله أن جهادكم -
يعني المرابطين - فرض على الأعيان على كل من فيه طاقة للقتال، واجتهدوا في
¥