أما المنكرون لشخصية ابن سبأ من المستشرقين، فهم فئة قليلة و الذين وقفوا في شخصية ابن سبأ و أصبحت عندهم مجرد خرافة و محل شك، و ليس هناك من داع لذكرهم، لعدم انتشار أفكارهم بخلاف المثبتين فهم من المستشرقين المعروفين والذين يعتمد عليهم الكثير ممن تأثر بفكر الاستشراق، و كان هدف هؤلاء المستشرقين من ذلك التشكيك أو الإنكار هو ادعاء أن الفتن إنما هي من عمل الصحابة أنفسهم، و أن نسبتها إلى اليهود أو الزنادقة هو نوع من الدفاع عن الصحابة لجأ إليها الإخباريون والمؤرخون المسلمون ليعلقوا أخطاء هؤلاء الصحابة على عناصر أخرى، على أن إنكار بعضهم لشخصية ابن سبأ إنما يرجع إلى رغبتهم في الانتهاء إلى النتيجة التالية: لا حاجة لمخّرب يمشي بين الصحابة، فقد كانت نوازع الطمع و حب الدنيا والسلطة مستحوذة عليهم، فراحوا يقاتلون بعضهم عن قصد و تصميم، و القصد من ذلك الإساءة إلى الإسلام و أهله، و إلقاء في روع الناس أن الإسلام إذا عجز عن تقويم أخلاق الصحابة و سلوكهم وإصلاح جماعتهم بعد أن فارقهم الرسول صلى الله عليه وسلم بمدة وجيزة، فهو أعجز أن يكون منهجاً للإصلاح في هذا العصر. أنظر: تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة للدكتور: محمد أمحزون (1/ 314).
أدلة من أنكر شخصية عبدالله بن سبأ والرد عليهم
يمكن أن أحصر أدلتهم فيما يلي، ثم أتبع كل شبهة من أدلتهم بالإجابة عنها:-
أولاً: قالوا: إعراض المؤرخين عن ذكر ابن سبأ أو ابن السوداء في حرب صفين، و كونه غاب عنها، و كيف له أن يغيب عن هذا المعركة و هو الذي كان يصول و يجول في حرب الجمل، لهذا لم يستطع المؤرخون الإجابة على هذا السؤال المحير! و هذا مما يدل على أنه غير موجود.
الرد عليه: إن المؤرخين عند حديثهم عن موضوع معين لا يلتزمون بذكر كل تفاصيل ما جرى في الأحداث والوقائع التي ذكروها في كتبهم، هذا على افتراض مشاركة ابن سبأ في حرب صفين، و على افتراض عدم مشاركته في حرب صفين، هل يعد ذلك دليلاً على عدم وجوده، فيعارض به ما أثبته المؤرخون من وجود ابن سبأ و ما كان له من دور؟! و في اعتقادي أن هذه الشبهة لا تقوى على ما أثبته المؤرخون والمحققون من سنة و شيعة من وجود ابن سبأ.
ثانياً: قالوا: إن أخبار ابن سبأ إنما انتشرت بين الناس عن طريق الطبري، والطبري أخذها عن سيف بن عمر، إذاً فسيف هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ، و سيف هذا كذاب ضعفه علماء الجرح والتعديل.
الرد عليه و سيكون على ثلاثة فروع:-
أ – كون الطبري هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ، و هذه الأخبار جميعها جاءت من طريق سيف بن عمر.
الرد: هذه شبهة باطلة إذ لم ينفرد الطبري وحده بروايات سيف، بل هناك روايات لسيف تتحدث عن ابن سبأ لا توجد عند الطبري، و مثاله:
1 - من طريق ابن عساكر (ت 571هـ) في تاريخه (29/ 9)، وقد أورد رواية من طريق سيف بن عمر ليست عند الطبري.
2 - من طريق المالقي (ت 741هـ) في كتابه التمهيد و البيان (ص 54) و قد أورد رواية ليست عند الطبري من طريق سيف بن عمر.
3 - من طريق الذهبي (ت 748هـ) في كتابه تاريخ الإسلام (2/ 122 - 123) و هذه الرواية أيضاً غير موجودة في الطبري.
فهذه الطرق الثلاثة تدلنا على أن الطبري لم ينفرد بروايات سيف بن عمر عن ابن سبأ، و أنه ليس المصدر الوحيد لهذه الأخبار.
ب – كون سيف بن عمر هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ.
الرد: هذه الشبهة أيضاً غير صحيحة، فقد ثبتت روايات ذكر فيها ابن سبأ لم يكن سيف في سندها، و إن الذي يتبين لنا من خلال البحث والتنقيب أن سيف بن عمر ليس هو المصدر الوحيد لأخبار عبد الله بن سبأ، و سأورد هنا عدد من النصوص لابن عساكر تذكر ابن سبأ لا ينتهي سندها إلى سيف بن عمر، و قد اخترت تاريخ ابن عساكر بالذات لأنه يعتمد في روايته للأخبار على السند كما هو حال الطبري في تاريخه.
الرواية الأولى: ذكرها ابن عساكر بسنده إلى الشعبي، قال: أول من كذب عبد الله بن سبأ.
الرواية الثانية: ذكرها ابن عساكر بسنده إلى عمار الدهني، قال: سمعت أبا الطفيل يقول: رأيت المسيب بن نجبة أتى به يلببة - يعني ابن السوداء -، و علي على المنبر، فقال علي: ما شأنه؟ فقال: يكذب على الله وعلى رسوله.
¥