المصاحف لهلك جل جيشه؟ وجهل فادح ممن يحتج بها على ذلك،فمحال صدوره من عمرو وهو من علماء الصحابة ومحال تسليمه ولو صدر منه من أبي موسى الأعلم منه.
الخامس: ما نقصت هذه الخديعة لو صحت مما كان لأمير المؤمنين عند أتباعه شيئاً وما أفادت معاوية شيئاً جديداً زائداً عما كان له حتى يصح أن يقال فيها إن فلاناً داهية كاد أمة من المسلمين بكيد مقدمها ومحكمها، وغاية أمرها أنها أشبه بعبث الأطفال لا تتجاوز العابث والمعبوث به، وبرَّأ الله تعالى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من هذا العبث.
السادس: لو صحت هذه الأسطورة لم يلزم منها غفلة أبي موسى ودهاء عمرو، بل تدل على مدح أبي موسى بالصدق والوفاء بالوعد والعهد وهي من صفات الأخيار من بني آدم فضلاً عن المؤمنين فضلاً عن الصحابة، ووصم عمرو بالخيانة والكذب والغدر وهي من صفات الأشرار من بني آدم، وكان العرب في جاهليتهم ينفرون منها أشد النفور ولا قيمة لمن اتصف بواحدة منها عندهم، وقد ذم ورهب دين الإسلام مرتكبيها، وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه وينادى على رؤوس الخلائق هذه غدرة فلان فلان".
السابع: لا يخلو قول عمرو فيما زعموا عليه (وأثبت صاحبي معاوية) من أمرين: الأول ثبته في الخلافة كما كان أولاً، وهذا هو المتبادر من لفظ التثبيت، وهو باطل قطعاً؛فإنه لم يقل أحد ينتسب إلى الإسلام إن معاوية كان خليفة قبل التحكيم حتى يثبته حَكمه فيها بعده، ولم يدعها هو لا قبله ولا بعده، ولم ينازع حيدرة فيها.
الثاني ثبته على إمارة الشام كما كان قبل، وهذا هو المتعين دراية وإن لم يصح رواية، وهو تحصيل الحاصل، وأي دهاء امتاز به على أبي موسى في تحصيل الحاصل؟ وأي تغفيل يوصم به أبو موسى مع هذا العبث؟ فهل زاد به معاوية شيئاً جديداً لم يكن له من قبل؟ وهل نقص به علي عما كان له قبل؟
الثامن: قال القاضي أبو بكر بن العربي في القواصم والعواصم: قد تحكم الناس في التحكيم فقالوا فيه مالا يرضاه الله، وإذا لحظتموه بعين المروءة دون الديانة رأيتم أنها سخافة حمل على تسطيرها في الكتب في الأكثر عدم الدين، وفي الأقل جهل متين، ثم قال: وزعمت الطائفة التاريخية الركيكة أن أبا موسى كان أبله ضعيف الرأي مخدوعاً في القول، وأن ابن العاص كان ذا دهاء وأرب حتى ضربت الأمثال بدهائه تأكيداً لما أرادت من الفساد، اتبع في ذلك بعضُ الجهال بعضاً وصنفوا فيه حكايات، وغيره من الصحابة كان أحذق منه وأدهى، وإنما بنوا ذلك على أن عمراً لما غدر أبا موسى في قصة التحكيم صار له الذكر في الدهاء والمكر، ثم ذكر الأسطورة باختصار ثم قال: هذا كله كذب صراح ما جرى منه حرف قط، وإنما هو شيء أخبر عنه المبتدعة ووضعته التاريخية للملوك؛ فتوارثه أهل المجانة والجهارة بمعاصي الله والبدع .. ثم ذكر أن الذي رواه الأئمة الثقات الأثبات كخليفة بن خياط والدارقطني أنهما لما اجتمعا للنظر في الأمر عزل عمرو معاوية اهـ ملخصاً).
(تحذير العبقري من محاضرات الخضري، 2/ 86 - 91).
الأخ السريلنكي
[email protected]
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[17 - 12 - 06, 12:23 م]ـ
فنَّد العلامة محب الدين الخطيب رحمه الله في تعليقه على العواصم من القواصم لابن العربي المالكي، و أوضح ذلك بما لامزيد عليه و استدل بأبيات لبعض الشعراء في مدح بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ـ لا تحضرني الآن ـ يذكر فيها أن الله عز وجل جلَّى الفتنة عن الأمَّة بموقف جدِّ الأمير بلال، أبي موسى رضي الله عنه في التحكيم، خلافاً لما يذكره بعض الأخباريين.
ـ[مجاهد بن رزين]ــــــــ[17 - 12 - 06, 01:50 م]ـ
جزاكم الله خيرا لإفادتكم وبارك في علمك
ـ[محمد صبحي]ــــــــ[18 - 12 - 06, 08:27 ص]ـ
رائع زادك الله علماً