والقاعدة في فهم كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وكذا كل متكلم أن يحمل كلامه على مراده وعرفه لا على مراد غيره وعرفه ..
واسم الصحبة الاصطلاحي من جنس اسم الإسلام مبناه على الظاهر، وأمر السرائر إلى الله تعالى ..
فقد زكى ربنا سبحانه السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ..
فكل من ثبت كونه من المهاجرين والأنصار فهو مزكى بتزكية الله له وحسبه ذلك من كل تزكية ..
وأما من لم يكن من المهاجرين ولامن الأنصار فهو من الذين اتبعوهم وتزكية الله تعالى مرتبة في حق هؤلاء على الإحسان فمن ثبت إحسانه ثبتت تزكية الله تعالى له، ومن ثبت في حقه ضد ذلك لم يدخل في هذه التزكية، وأما حكمه فحسب إساءته
فالمرتدون الذين لقوا النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنين به ثم ارتدوا بعد ذلك؛ منهم من عاد إلى الإسلام وفي بقاء اسم الصحبة لهم الخلاف المعروف، ومنهم من مات على الردة والعياذ بالله وهؤلاء لا خلاف في انسلاخهم من الصحبة بانسلاخهم من الإسلام.
والإساءة ليست منحصرة في الردة عن الإسلام السالب لاسم الصحبة مع حقيقتها، بل يشمل الردة الباطنة بالنفاق وهي قد تخفى كما صرحت بذلك الآية المتلوة آنفا، وهذا النفاق ما لم يظهر فإن صاحبه تجري عليه أحكام الإسلام ظاهراً كما هو معلوم ..
ودون هذين الأمرين الردةِ والنفاقِ: ضروب الفسوق من التلبس بالكبائر والإصرار عليها، أو بما هو دونها من المعاصي على تفاوت رتبها التي لا يكاد يخلو إنسان من شيء منها ..
فالبحث الإجمالي عن الأصناف كما ورد في الآيات هو المفيد، وأما البحث عن الأعيان وأحكامهم فإن كان باقتضاء من الشرع فعلى قدر مقتضاه، وإلا فهو فضول منهي عنه مع كون الوصول إلى حقيقة ذلك متعسر أو متعذر لخفاء ذلك غالباً ولا سيما مع تباعد العصور والأزمنة ..
فمن لم نحتج إلى معرفة حالة في العدالة ونحوها لاضطرارنا إلى روايته عن نبينا صلى الله عليه وسلم فما الداعي إلى البحث عن عدالته والتفتيش عن حقيقة أمره؟!.
والسؤال المهم هنا الذي ينبني عليه جدوى الموضوع المنعقد هنا من أصله:
ما الذي رواه الحكم بن أبي العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم لنحتاج في معرفة ثبوته عنه إلى التفتيش عن حقيقة حال الحكم؟.
وإلا فما وجه الإشكال إذا؟
ثم إنَّ اللعن والنفي من جنس العقوبة بالقول والفعل وهي قد تنزل بالمسلم وغيره إذا وجد مقتضاها
وقد نص نبينا صلى الله عليه وسلم أنه إنما يقضي على نحو ما يسمع، وأنه قضاءه بحسب الظاهر وإن كان الله تعالى قادراً على أن يوحي إليه بحقيقة الأمر وباطنه في كل قضية إلا أن مصلحة التشريع ودوام العمل به في الأمة بعد فراق نبيها صلى الله عليه وسلم، وابتلاء الناس بعضهم ببعض في دار التكليف وغير ذلك من الحكم اقتضى عدم ذلك، والاكتفاء بالظاهر مع التحري التثبت (الشرعي) والعدل واتباع حكم الله تعالى ..
ولهذا فقد كان من شدة ورع نبينا صلى الله عليه وسلم وهو أتقى الناس لله تعالى وأوجههم عنده يقول: اللهم إنما أنا بشر فأيما عبد سببته أو لعنته ولم يكن لذلك بأهل فاجعلها له زكاة ورحمة وقربة تقربه بها إليك) أو كما قال صلى الله عليه وسلم ..
والحاصل: أن معرفتنا بحال الحكم بن أبي العاص في الحقيقة أو حتى بحسب ما يظهر بالبحث والتتبع والتفتيش ما المصلحة المترتبة عليه شرعاً ...
والحمد لله الحكيم العليم الرؤوف الرحيم الذي لم يحوج أمة خاتم رسله صلى الله عليه وسلم في أمر دينها إلى من لا يسوغ في دينها الركون إليه بقبول خبره
والعدالة ليست كل شيء في قبول الرواية حتى يتوسع باسمهما في التفتيش عن بواطن أمور الناس والنقب عن سرائرهم، بل صيانة الرواية حاصلة بدون هذا العنت بحمد الله تعالى بما ألهم الله تعالى من أقامه في ذلك من الجهابذة من طرائق معرفة الضبط للراوة وللمرويات، حتى يميز بين المروي الذي لم يضبط (غير المحفوظ) وإن صدر من الضابط الحافظ، فهذا العلم ليس سطحياً شكلياً، ولا مترتباً على ما يستحيل الوقوف عليه ولا ما يعسر من أمر بواطن الناس وسرائرهم حتى نجهد أن أنفسنا -من حيث الدنيا ومن حيث الدين - في الكشف عن ذلك.
هذا كله إن كان الأمر يختص بعين الحكم بن أبي العاص، أما إن جعل الكلام في شأنه سلماً إلى الكلام في غيره فلكل مقام مقال.
¥