وفي ما تقدم إشارة إلى أنه لم يثبت عن الوحي المعصوم ما يقطع به على حال الحكم شرعاً ..
أسأل الله تعالى لي ولإخواني الهدى والسداد والاشتغال بأحب الأمور إليه وأنفعها لنا عنده ..
هذا ما عن لي أن أشارك به إخواني، وأستغفر الله لي ولهم
ـ[عبدالله ابن عَبيدِه]ــــــــ[30 - 01 - 09, 05:07 ص]ـ
ما كتبته سابقاً يتعلق بالحكم بن أبي العاص ونحوه
ثم تأملت الموضوع فإذا فيه شطر آخر وهو تعريف الصحابي، وحده الجامع المانع.
والذي لدي في هذا أعرضه على إخواني وأسأل الله تعالى السداد والرشاد:
تقدم في مشاركتي السابقة أنَّ لفظ الصحبة مدلوله في اللغة واسع والتقييد يدخله من حيث الاصطلاح سواء كان هذا الاصطلاح شرعياً أو عرفياً عند أرباب العلوم وغيرهم من أصناف الناس ..
فالاصطلاح أخرج من مدلول الصحبة اللغوي من لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل الصحبة مقيدة بالصحبة الشخصية الحسية لا المعنوية التي لا ترتبط بالشخوص ..
وهذا مهم لأجل اتصال السند.
وأخرج من مدلول الصحبة اللغوي من لقيه غير مؤمن به وهذا لضمان ثقة الراوي المسنِد.
ومن تمام ذلك اشترط موته على ذلك وإنما يطلع الناس من هذا على الظاهر، ولا سبيل لهم إلى معرفة خواتيم أعيان كل فرد ممن وقعت له الصحبة اللغوية ولا من يندرج في الصحبة الاصطلاحية الشرعية ..
وإنما علم مآل المهاجرين والأنصار وعاقبة أمرهم بصريح كلام الله تعالى وبيانه ..
وأما الذين اتبعوهم بإحسان فإنما ترتبت تزكية الله تعالى لهم على ثبوت الإحسان في الاتباع منهم.
والمقصود أنَّ صحة الحديث متوقفة على اتصال السند وثقة الرواة وانعدام القادح من شذوذ وعلة ..
والتعريف المتداول للصحابي المذكور في النخبة وغيرها والمنصوص عليه في الموضوع الأصلي هنا يراد به أولاً الفصل بين المرسل والمتصل، وهذا سياقه في النخبة، ويلي ذلك مسألة ثقة الراوي الصحابي ..
فإنَّ المهاجرين والأنصار امتازوا عن غيرهم بتزكية الله تعالى لهم في كتابه فاستغنوا بذلك عن تزكية غيره، ولهذا فما ثبت عنهم فمقبول عند المؤمنين بالله وكتابه ورسوله وجل الدين أو كله إنما أخذ عنهم وإنما يجيء عن غيرهم النزر
وتأمل أسماء أصحاب الألوف والمئين من رواة الصحابة بل وأصحاب المئة والعشرات ..
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنقل الصحيح عن المهاجرين والأنصار ثناء وتزكية لأعيان من أصحابه التابعين للمهاجرين والأنصار الذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا، أو ما يستدل به من الإنفاق والقتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على اتصافهم بالإحسان الموجب دخولهم في تزكية الله تعالى ..
ولهذا كانت حنين وتبوك من أكبر الممحصات وما نزل فيها من القرآن ولا سيما سورة برآة فإنها ميزت الصفوف وجلت الأمر ولم يزل المنافقون يمتازون من قبل الخروج بالقعود، ومن خرج منهم لم يزل يبتلي الله تعالى ما في صدورهم في قضية إثر قضيةحتى كان من آخر ذلك أمر أصحاب مسجد الضرار في مقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ودخوله المدينة وذكرهم الله تعالى في أواخر السورة بعدما عدد أصنافاً.
ولهذا لا غنى قط للمحدث من الاستبحار في معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأيامه وما أنزل الله تعالى في ذلك ومعرفة معنايه وفقهها، ولذلك ذكر الأئمة أن علم معرفة الصحابة من أجل علوم الحديث ولا يستبحر فيها إلا الحافظ ..
أتمنى من إخوتي قراءة كلام الحاكم ثم من بعده في هذا النوع من علوم الحديث وما نوهوا به من شأنه
وما يذكرونه فيه من معرفة طبقات الصحابة فإنه يوضح مقاصد ما أشير إليه وزيادة من أن الدين إنما نقل عن المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان
وأما من لم يعلم إحسانه ولا ضده ممن لم يشتهر وذكر في الصحابة ذكراً ما فما أقل ما رووا، وإنَّ فيما روى المهاجرون والانصار والذين اتبعوهم بإحسان لما يصدق ذلك أو يكذبه، وما فيه الغنى عن سواه غالباً.
وصدور المعاصي والمخالفات من غير المعصوم غير منكور، ولهذا كانت مسألة الإيمان وتفاضله والوعيد وما يتصل بها مما ينبي عليه مسائل الأسماء والأحكام من أوائل ما وقع بسببه الافتراق في الأمة لما ظهرت الأهواء والفتن، لإهدار قوم أصل الإيمان بما يعتريه من خلل ونقص، وإنما ظهر ضد هؤلاء بعدهم بمدة وهم المرجئة.
والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ككذب على أحد كما روي عنه، وهو كذب على الله تعالى، وهو من أبواب الكفر إن لم يكن في بعض صوره كفراً بعينه كما ذكر ذلك جماعة من الأئمة وتكلم عليه الإمام أبوالعباس ابن تيمية في الصارم المسلول بكلام مليح
وانتفاء هذا الكذب عن الصحابة المشهورين بالصحبة الذين هم من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان تحقيقاً بقيام الدلائل على ذلك، أو ظناً مع وجود قرائن عليه أو مع عدم قيام الدلائل على نقيضه واستصحاباً للأصل في أهل الإسلام ولا سيما المتشرفين بصحبة خير الأنام صلى الله عليه وسلم ..
انتفاء هذا الكذب - المحذور في باب الرواية وفي علم الحديث- مقطوع به، وبه تحصل الثقة في روايتهم، ومع هذا يبقى لثبوت ما يروى عنهم سلامته من الشذوذ والعلة القادحين ..
فقد صان الله تعالى الدين بما حفظ من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وحديثه بهذا العلم الذي أقام له الجهابذة
وأما ما يخرج عن إفادة صحة الرواية من أحوال الصحابة مما يقتضي العيب والذم ونحوه فلا فائدة فيه، بل هو إلى الشر والضرر أقرب، والله تعالى أعلم.