تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

موقف ابن باديس رحمه اللّه من مسألة والدي المصطفى عليه الصّلاة والسّلام وردّه لحديث الآحاد في العقيدة

من الأخطاء الّتي لا تساهل فيها مع "ابن باديس" رحمه اللّه أو غيره، موقف المسلم من والديّ النّبيّ الكريم صلّى اللّه عليه وسلمّ، أهما في النّار أم أنّهما من أهل الفترة المعفو عنهم؟ والحقّ أنّ السنّة النّبوية جاءت قاطعة في الأمر، وبيّن صاحبها عليه الصّلاة والسلاّم أنّ أبويه في النّار في أحاديث صحيحة، واضحة المعنى لا لبس فيها ولا غموض .. وهذا الّذي عرفه الصّحابة وتعلّموه من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلمّ، إلى أن نبتت نابتة ادّعت ادّعاء مبتدعا، وهو أنّ والديّ الرّسول صلّى اللّه عليه وسلمّ في الجنّة، على أساس أنّهما من أهل الفترة الّذين لم يحظوا بوجود نبيّ يبلّغ لهم رسالة اللّه ويعلّمهم الكتاب والحكمة، واستدلّوا على ذلك بآيات عامّة من القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: ? وما كنّا مُعذّبين حتّى نبعث رسولا? (1)، وهذا الاستدلال مردود جملة و تفصيلا إذ أنّ والديّ الرّسول صلّى اللّه عليه وسلمّ وردت فيهما نصوص صحيحة في السّنة دلّت على أنّهما من أهل النّار، وليس من حقّنا أن نضرب بهذه النّصوص عرض الحائط طالما أنّها نصوص صحيحة صحّت متنا وسندا، ولا يجوز الإعراض عن السّنة النّبوية والاكتفاء بالقرآن الكريم وحده .. وللأسف هذا ما فعله الشيّخ "ابن باديس" في هذه المسألة .. وإلى القارئ الكريم أسوق كلامه ليتبيّن للجميع كيف وقع "ابن باديس" في أخطاء جسيمة برئت منها ذّمة علماء السّلفية الحقيقيّين .. فقد قال في معرض تفسيره لقوله تعالى: ?وما كنّا مُعذّبين حتّى نبعث رسولا? ما يلي:» لمّا كان العرب لم يأتهم نذير قبل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلمّ بنّص هذه الآية وغيرها فهم في فترتهم ناجون لقوله تعالى: ? وما كنّا مُعذّبين حتّى نبعث رسولا?، و? وأن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير? وغيرهما، وكلّها آيات قواطع في نجاة أهل الفترة ولا يستثنى من ذلك إلاّ من جاء فيهم نصّ ثابت خاصّ "كعمر بن لُحيّ" (2)، أوّل من سيّب السّوائب وبدّل في شريعة إبراهيم وغيّر وحلّل للعرب وحرّم، فأبَوَا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ناجيان بعموم هذه الأدلّة ولا يعارض تلك القواطع حديث مسلم عن أنس (رضي اللّه عنه): (أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى اللّه عليه وعلى آله وسلمّ: يا رسول اللّه أين أبي؟ قال في النّار، فلمّا قفا الرّجل دعاه فقال: إنّ أبي وأباك في النّار)، لأنّه خبر آحاد فلا يعارض القواطع وهو قابل للتّأويل بحمل الأب على العمّ مجازا يحسنه المشاكلة اللّفظية ومناسبته لجبر خاطر الرّجل وذلك من رحمته صلّى اللّه عليه وسلمّ وكريم أخلاقه .. «(1).

وهذا الكلام فيه مزالق ومؤاخذات كثيرة منها:

1. الاستدلال بالقرآن الكريم في هذه المسألة، والإعراض عمّا جاءت به السّنة الشّريفة من أحاديث وردت في الموضوع نفسه.

2. ردّ الاستدلال بحديث الآحاد في العقيدة بحجّة أنّه يعارض القرآن الكريم.

3. تحميل الحديث الوارد في صحيح (مسلم)، والّذي ورد فيه سؤال ذلك الرّجل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن حال أبيه أهوَ في النّار ـ تأويلا أبعد كلام "ابن باديس" عن جادّة الصّواب.

والرّد على هذه النّقاط يكون كما يأتي:

1) فيما يتعلّق بالاستدلال بالقرآن الكريم والإعراض عمّا جاءت به السّنة الشّريفة، فيكفي التّذكير بهذه الأحاديث:

عن "أبي رافع" رضيّ اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:

» لا ألفيّن أحدكم متّكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، ممّا أمرتُ به أو نهيتُ عنه فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب اللّه اتّبعناه وإلاّ فلا «(2).

وعن "المقدام بن معدي كرب" رضيّ اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:

» ألا إ نّي أوتيتُ القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتمّ فيه من حرام فحرّموه، وإنّ ما حرّم رسول اللّه كما حرّم اللّه، ألا لا يحلّ لكم الحمار الأهلي، ولا كلّ ذي ناب من السّباع، ولا لُقَطة معاهد إلاّ أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يُقرّوه فإن لم يُقرّوه فله أن يُعقّبهم بمثل قِراه «. (1)

وعن أبي هريرة رضيّ اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير