ذكرنا أن الأندلسيين قد نقلوا إلى المغرب الطراز المعمارى للمدن والبيوت التى كانوا يقيمون فيها فى إسبانيا، وهذا أثر إيجابى. لكن الهجرة الموريسكية إلى المغرب كانت لها أيضا جوانب سلبية ترتبت عليها.
يشير المؤلف إلى تفكك دولة الخلافة فى الأندلس وما ترتب عليه من ضعف أدى فى النهاية إلى سقوط غرناطة الإسلامية، ويذكر كيف أن الصراعات الأهلية بين الغرناطيين أدت إلى ضياع نفوذهم فى الشمال المغربى، كما أدت فى السابق إلى ضياع دولتهم فى إسبانيا.
يتحدث المؤلف عن طبقة العامة فى غرناطة والتى ظنت أن خلاصها من الظلم يكمن فى تغيير الحاكم، وثبت أن الأمر لم يكن بهذه البساطة. هل يعيد التاريخ نفسه؟ انهارت المؤسسات فى غرناطة الإسلامية فسقطت الدولة فى نهاية الأمر. هل يكفّ المؤرخون العرب الحاليون عن اتهام أبى عبد الله الصغير بالخيانة؟
لماذا يتخصص باحث أسبانى مثل صديقنا الراحل غوثالبيس بوستو فى تاريخ المغرب العربى؟ المؤلف نفسه يجيب على هذا التساؤل فى أكثر من مناسبة: إن قراءة تاريخ ضفتى مضيق جبل طارق فى القرن السادس عشر يدل على أن تاريخهما لا يمكن فصله، وعليه فإن دراسة تاريخ المغرب العربى –من قبل الباحث الإسبانى- ليست من باب التعرف على الآخر، بل هى ضرورة للتعرف على الذات.
نلحظ فى الكتاب نقد الذات: يعيب المؤلف على المؤرخين الإسبان فى القرن السادس عشر عدم الاهتمام بمشكلة الإسبان المسلمين الذين عبروا المضيق واستقروا فى شمال إفريقيا. ونذكر هنا أن المستعرب الإسبانى سيرافين كالديرون فى القرن التاسع عشر كان قد نادى بدراسة الثقافة الموريسكية فى الشمال المغربى للتعرف على تاريخ إسبانيا بشكل كامل، وللتعرف على الجار المغربى. (ذكر المصدر إن أمكن)
يلفت النظر فى كتابات المؤرخين الإسبان رجوعهم إلى المصادر العربية كابن الخطيب وابن خلدون، بالإضافة إلى ما خلّفه الكتّاب الإسبان المعاصرون لهما. وقد اعتمد صديقنا الراحل غونثاليث بوستو على وثائق كتبها مؤرخون عرب، لكنه اعتمد كذلك على بعض ما كتبه مؤرخون إسبان فى القرن السادس عشر، وهو يعلم أنها كتابات دعائية لا يمكن الاعتداد بها كثيرا، ومن ثم كان عليه أن يوضح ذلك للقارئ غير المتخصص. على أننا لانعفى المؤرخ العربى المعاصر للأحداث من المسئولية، فمؤلف الكتاب يلجأ إلى المصادر الإسبانية وحدها عندما لا يجد بديلا عربيا. إن تقصيرنا –فى الماضى والحاضر- فى كتابة التاريخ جعل الرؤية الغربية هى السائدة. هل من حقنا أن نلوم الآخرين إن هم اعتمدوا على كتابات أوربية فى حالة عدم وجود مصادر عربية؟
الكتاب يتضمن فصلا عن اليهود الذين طردوا من إسبانيا وأقاموا فى المغرب. من الطبيعى أن تنشأ علاقة طيبة بين المسلمين واليهود فى المنفى، فالمجموعتان تربطهما علاقة الوطن المفقود وعلاقة اللغة الإسبانية التى كانوا يتحدثونها. إن الدور البارز الذى لعبه اليهود كتجار ووسطاء فى المفاوضات التى كانت تجرى بين المسلمين والمسيحيين لابد أن يدرس بعناية. مبلغ علمنا أن عدد اليهود الذين رحلوا إلى المغرب كان ضئيلا إذا ما قورن بأعداد المسلمين الذين اختاروا نفس المكان كوطن بديل. ورغم قلة عدد اليهود إلا أنهم قاموا بدور بالغ الأهمية فى المجال الاقتصادى وفى مجال السياسة فى حوض البحر المتوسط. إن أهمية أمة ما لا تكمن فى عددها وإنما فى إيجابية مواطنيها واجتهادهم فى تحقيق أهدافها.
يتبين من الكتاب أيضا الدور البارز الذى لعبه اليهود –على قلة عددهم- فى مفاوضات تحرير الأسرى الإسبان، وربما يكون من المناسب أن تخصص دراسة مستقلة للدور الذى لعبه اليهود فى عالمنا العربى الإسلامى بعد طردهم من إسبانيا عام 1492.
قام اليهود فى بعض الأحيان بدور بارز فى الترجمة، ولعلهم بذلك عرفوا كثيرا من الأسرار واستغلوها لصالحهم، ونتساءل الآن- بعد مرور خمسة قرون على تلك الأحداث- هل عجز حكام المغرب آنذاك عن العثور على مترجم كفء من بين الموريسكيين؟
الأمر الذى يعنينا فيما يتعلق باليهود أن مؤلف الكتاب يعترف أنهم عاشوا فى المغرب فى جو من الحرية والتسامح لم يتمتعوا بهما فى إسبانيا الكاثوليكية.
¥