على أن اليهود لم يصلوا إلى المغرب ابتداء من عام 1492 حين طردتهم أسبانيا منها، بل تدل الوثائق على تواجدهم فى بلاد المسلمين قبل ذلك التاريخ بكثير وتوليهم مناصب مهمة وإساءتهم إلى من أحسن إليهم. أشير هنا إلى ما يذكره الدكتور عيسى الحريرى -نقلا عن السلاوى: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى- فى كتابه عن دولة بنى مرين (ص. 186) وكيف أن يهوديا تولى الوزارة وكان سببا رئيسيا فى انهيار دولة بنى مرين:
واضطرم حقد السلطان على رعيته، فسولت له نفسه تعيين اثنين من اليهود هما هارون وشاويل فى منصب الوزارة تأديبا لرعيته وتشفيا منهم. وأثار هذا التصرف كافة طوائف الشعب، لأنه تصرف يمس عواطفه الدينية، وفقد السلطان عبد الحق تأييد شعبه خاصة وعامة، ومما أزكى حقد الشعب على السلطان أن الوزيرين اليهوديين شرعا فى "أخذ أهل فاس بالضرب والمصادرة على الأموال واعتز اليهود بالمدينة وتحكموا فى الأشراف والفقهاء فمن دونهم، وكان اليهودى هارون قد ولى على شرطته رجلا يقال لع الحسين لا يألو جهدا فى العسف واستلاب الأموال، واستمر الحال على ذلك والناس فى شدة" ..... واقتربت نهاية السلطان ومعه نهاية الدولة (المرينية)، ففى أحد الأيام قبض الوزير اليهودى على امرأة شريفة من البليدة –من أحياء فاس- "فأنحى عليها بالضرب ولما ألهبتها السياط جعلت تتوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمى اليهودى وكاد يتميز غيظا من سماع ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر بالإبلاغ فى عقابها" وانتشر الخبر فى المدينة فأسرع الناس إلى الاجتماع عند خطيب مسجد القرويين واتفقوا على خلع السلطان عبد الحق والبيعة للشريف أبى عبد الله الحفيد، وهو محمد بن على عمران الإدريسى من أهل البيت وبايعوه فى السابع عشر من رمضان (869ه/1465م) , وهكذا انتهت آخر صفحة من صفحات الدولة المرينية المشرقة بعد أن عاشت فى بلاد المغرب بعطائها السياسى والحضارى الغزير زهاء مائتى عام.
يتضمن الكتاب عددا لا بأس به من الوثائق، وربما كان أهم ما تعرضه الوثائق فى هذا الكتاب هو سعى حاكم مغربى إلى غزو أمريكا الجنوبية بمساعدة الانجليز، وقد جاء رد الملكة إيزابيل بالموافقة واشترطت تحمل المغاربة مبلغ مائة ألف جنيه كمساهمة فى نفقات الاسطول الانجليزى. وتعرض الوثائق أيضا محاولة جزائرية لغزو أمريكا بالتعاون مع الهولنديين. وهكذا نرى أن سعى أمتنا لاحتلال مكان لائق بين الأمم لم يتوقف عند سقوط غرناطة كما يحلو للبعض أن يردد.
الكتب مفيد بلا شك، ونحسب أنه يمثل إضافة إلى مكتبتنا العربية الخاصة بتاريخ المغرب العربى وبالتنائج التى ترتبت على سقوط غرناطة الإسلامية، وقد اجتهدنا فى أن تصل المعلومات الواردة فيه كاملة إلى القارئ العربى وحاولنا التغلب على بعض المشاكل التى صادفناها.
كانت هناك مشكلة فى كتابة الأسماء العربية للشخصيات والعائلات المذكورة فى الكتاب لأن تسجيل بعض هذه الأسماء –كما أشار المؤلف- كان يتبع نظام اللهجة المغربية، وبالتالى لم نتمكن فى بعض الأحيان من رصد الاسم العربى. كان الحل الأمثل هو الرجوع إلى الزملاء المغاربة، لكننا ندرك أن الكتابة إليهم وانتظار الرد قد يستغرق وقتا غير قصير. لذلك اجتهدنا فى التوصل إلى النطق العربى لبعض الأسماء المذكورة، ويبقى أمام الباحث المتخصص أن يكمل الطريق، فهو –دون شك- أقدر منا على القيام بهذه المهمة.
على أن الأسماء ذات الأصل الإسبانى- وهى كثيرة- والأسماء المشتقة من اللغة العربية الفصحى –وهى كثيرة كذلك- لم تشكل أمامنا عائقا، ونحسب أننا قد كتبناها بشكل صحيح.
أما أسماء البلاد الصغيرة فهى تمثل مشكلة أخرى، فالوثائق التى نطالعها كتبت فى القرن السادس عشر، ولم يتبع الكتاب نهجا واحدا فى كتابة أسماء المدن. لذلك رأينا أن نعالج المشكلة بوضع الاسم كما هو بالإسبانية وأن نجتهد فى كل حالة. نعلم أننا أصبنا فى بعض الأحيان وأن الصواب جانبنا فى أحيان أخرى، ونظن أن الباحث المتخصص سيمكنه تصحيح الأخطاء التى وقعنا فيها دون قصد.
لنا ملاحظة على الأرقام الموجودة فى الكتاب. إن المؤلف – أثناء حساب تكاليف عمليات الافتداء- يستخدم عند ذكر المعلومة أكثر من رقم: مرة يذكر التكاليف بعملة معينة، ومرة يذكر ما يقابل ذلك بالعملات الأخرى. ندرك أن كثرة هذه الأرقام قد تشوش أفكار القارئ العادى، أما الباحث المتخصص فسيجد فيها معلومات مهمة عن قيمة العملات آنذاك.
سيلاحظ القارئ عدم انسيابية النص أحيانا، ومبلغ علمنا أن ذلك لا يعود إلى قصور فى طريقة عرض الموضوع، وإنما لأن المؤلف يعتمد على وثائق متفرقة، مختلفة المصدر والتاريخ، ويحاول أن يرسم من كل ذلك صورة للوضع آنذاك.
يبقى أمامنا أن نقدم مؤلف الكتاب،وهو أحد أبرز المتخصصين فى تاريخ المغرب، وقد التقيت به فى مؤتمر علمى بتونس، وكان قد تجاوز السبعين إلا أنه كان أكثر المشاركين حرصا على حضور جميع المحاضرات، ولم يكن يدع محاضرة تلقى دون التعليق على ما جاء بها. استمرت العلاقة بيننا عن طريق المراسلة والهاتف، وكنت أتلقى منه الكتب والمقالات التى ينشرها فى المجلات العلمية، وكانت فى مجملها تدور خول تاريخ المغرب العربى فى القرنين السادس عشر والسابع عشر.
يبقى كذلك أن أعبر عن جزيل الشكر والامتنان لكل من أرملة المؤلف وابنه الدكتور إنريكى غوثالبيس أستاذ التاريخ بجامعة غرناطة على تعاونهما فى إصدار هذا الكتاب
والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
جمال عبد الرحمن
¥