فى فصل آخر من الجزء الأول يتعرض المؤلف لحياة الموريسكيين داخل مؤسسة " الجماعة"، لكننا نلاحظ أنه يعتمد فى ذلك على ملفات محاكم التفتيش، ومن المعلوم أن المحكمة كانت تخلط بين الشعائر الإسلامية واليهودية والخرافات، وتنسب كل ذلك إلى الإسلام. رغم علم المؤلف بالثقافة الإسلامية فإننا نجده عند الحديث عن مقومات هذه الثقافة يخلط بين إمام صلاة الجماعة والإمام الذى يتزعم جماعة المسلمين من الناحية السياسية، ويتحدث عن "هروب" النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ويستخدم لفظ عيد "الخروف" للحديث عن عيد الأضحى ... الخ.
وفى الفصل الأخير من الجزء الأول يتعرض المؤلف لقرار الطرد النهائى من وجهة نظر السلطات الرسمية والكنسية، وعليه فإن الكتاب فى هذه الجزء الأول لا يضيف جديدا إلى ما سبق أن ترجمناه إلى اللغة العربية فى كتب أخرى نشرها المجلس الأعلى للثقافة فى مصر.
فى الجزء الثانى يتحدث المؤلف عن أوضاع الموريسكيين فى الدول التى هاجروا إليها. يخصص الكتاب فصلا لكل دولة استقر فيها الموريسكيون بشكل جماعى: المغرب وتونس والجزائر، ثم يخصص فصلا لبقية الدول التى هاجر إليها بعض الموريسكيين.
يتحدث المؤلف أولا عن المغرب فيشير إلى مشاركة الموريسكيين فى السياستين الداخلية والخارجية، كما يتحدث عن عدد المهاجرين والطرق التى سلكوها للوصول إلى المغرب. على أن المؤلف يتحدث هنا أيضا عن هجرات أندلسية إلى المغرب فى مناسبات مختلفة، وعن محاولة الأندلسيين فى تطوان وغيرها ممارسة نوع من الحكم الذاتى.
المؤلف يتحدث عن سوء معاملة المسلمين لإخوانهم فى الدين من الموريسكيين المهاجرين إليهم، ونحسب أنه يجانبه الصواب هنا. صحيح أن بعض أهل تونس قد شعروا بنوع من الغيرة تجاه الموريسكيين حين بالغت السلطات فى الترحيب بهم وإكرامهم. صحيح كذلك أن أسرا موريسكية تعرضت لبعض حوادث نهب وقعت لدى وصولها إلى الأراضى الجزائرية. أما حديث المؤلف عن "مذابح" وقعت للموريسكيين فهذا لم يقل به أحد على حد علمنا. المؤلف لا يذكر نصوصا تاريخية يعتمد عليها اللهم إلا نصا للمقرى (1) لم يشر فيه المؤرخ القديم إلى مقتل أحد. نحسب إذن أن مؤلف الكتاب يعتمد على كتابات المؤرخين الإسبان المعاصرين لتلك الفترة، ولنا على مجمل تلك الكتابات تحفظان:
الأول أنه حتى لو حدثت مذابح فإن المؤرخين الإسبان كانوا بعيدين عن موقع الأحداث ومن ثم فلم يكن بإمكانهم متابعتها والكتابة عنها.
الثانى هو أننا رأينا فى كتابات المؤرخين الإسبان فى القرنين السادس عشر والسابع عشر ميلا إلى التزييف، وعليه لا نراها صالحة كمصدر للكتابة عن تاريخ الموريسكيين فى مغربنا العربى.
يختتم المؤلف هذا الفصل بالحديث عن إسهامات الموريسكيين فى مجالات الزراعة والعمارة وغيرهما، وعن وجود ألقاب عائلية مغربية ذات أصل إسبانى.
فى الفصل التالى ينتقل المؤلف إلى الحديث عن الموريسكيين فى الجزائر فيذكر أن هناك أندلسيين هاجروا إلى الجزائر قبل القرن الثالث عشر الميلادى، وأن هناك هجرات أندلسية أخرى حدثت خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر. يذكر المؤلف كذلك أن هجرة الأندلسيين إلى الجزائر لم تتوقف. كل ذلك كان مقدمة للحديث عن هجرة الموريسكيين إلى الجزائر بعد صدور قرار طردهم النهائى من إسبانيا. يعود المؤلف هنا إلى الحديث عن "مذابح" تعرض لها الموريسكيون لدى وصولهم إلى بلاد إسلامية دون أن يقدم وثائق، كما يتحدث عن دور الموريسكيين فى مختلف جوانب الحياة الجزائرية وعن مشاركتهم فى الجهاد البحرى ضد الإسبان.
يخصص المؤلف فصلا كاملا للحديث عن الموريسكيين فى تونس، وهو هنا يتحدث عن مجال يعرفه جيدا، فقد نشر المؤلف عدة أبحاث عن الوجود الموريسكى فى تونس من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الدراسات حول الموريسكيين فى تونس اكتسبت طابعا علميا دقيقا نتيجة لدراسات عديدة أجراها باحثون تونسيون. وقد تحدث المؤلف عن نشأة الدراسات الموريسكية فى القطر العربى الشقيق وذكر أسماء كل من مصطفى زبيس وعبد الحكيم القفصى وغيرهما.
الجزء الخاص بتونس مهم للغاية، لكن المعلومات الواردة فيه فى حاجة إلى تحديث، فمنذ تاريخ صدور الكتاب حتى الآن عقدت مؤتمرات كثيرة ونشرت أبحاث ملأت فراغا تحدث عنه المؤلف.
¥