يقول المؤلف هنا أيضا إن هجرة الموريسكيين إلى تونس لم تنقطع خلال العصور الوسطى، ولهذا فإن المهاجرين الموريسكيين حين وصلوا إلى تونس وجدوا أسرا أندلسية كانت قد استقرت هناك.
يتحدث المؤلف عن دعم السلطات العثمانية للمهاجرين الموريسكيين وكيف أن علماء تونس –أبو الغيث القشاش على سبيل المثال- أسهموا فى الترحيب بالقادمين الجدد ومساعدتهم فى تعلم أمور دينهم الإسلامى.
ندرك هنا أن الأثر الموريسكى فى تونس ملحوظ، وقد كتب المهاجرون الموريسكيون مخطوطات شرحوا فيها شعائر الإسلام باللغة الإسبانية نظرا لأن مواطنيهم كانوا قد أجبروا على التخلى عن اللغة العربية قراءة وكتابة وتحدثا، ومن ثم فلم يكن بمقدورهم قراءة فصول الفقه باللغة العربية. وهناك أثر موريسكى ملحوظ فى ألقاب العائلات التونسية، هذا بالإضافة إلى الأثر المعمارى الأندلسى فى زغوان وغيرها من المدن التونسية.
الفصل الأخير من الجزء الثانى يخصصه المؤلف للحديث عن وجود بعض العائلات الموريسكية فى دول أخرى لم تتجه إليها الهجرة الجماعية، إما لبعدها الجغرافى عن إسبانيا، وإما لارتفاع نفقات السفر إليها، وإما لعدم وجود جاليات أندلسية بها. هذا الفصل جديد تماما فى مجال الدراسات الموريسكية، وهو يمثل إضافة فى غاية الأهمية، ولو أن المؤلف قد أغفل ذكر المصادر.
من هذا الفصل نعلم أن أسرا موريسكية قد توجهت إلى تركيا ودول البلقان وإلى ليبيا والجزيرة العربية والهند وإفريقيا الجنوبية وفرنسا وإيطاليا وسوريا ومصر. لا نعلم شيئا كثيرا عن الموريسكيين فى البلاد المذكورة، وإن كان وضع مصر يختلف نظرا لدراسات الدكتور عبد الرحيم عبد الرحمن التى نشرها فى تونس (2).
الكتاب لا يتوقف عند موضوع إقامة بعض الموريسكيين فى بلاد العالم الجديد، وإن كانت الوثائق التى اطلع عليها باحثون مثل كارداياك ولوبيث بارالت وساغارثاثو وغيرهم تؤكد وجود موريسكيين فى أمريكا الجنوبية. وقد يكون من المناسب هنا أن نلقى بعضا من الضوء على هذا الموضوع.
الموريسكيين فى أمريكا الجنوبية:
هناك حديث – غير موثق أحيانا، وضعيف التوثيق فى أحيان أخرى- عن وجود عربى إسلامى فى أمريكا الجنوبية مصاحب لوصول كولون، بل وسابق عليه. سنترك الحديث الآن عن الشريف الإدريسى وكتابه "نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق" والذى وصف فيه بلادا شبيهة بأمريكا الجنوبية، ولن نتوقف عند رحلة محمد جاو عام 1307 التى لم يعد منها والتى ربما حملته إلى أمريكا. (3)
أما البيانات المحددة فهى تشير إلى أن كولون اصطحب معه إلى أمريكا مترجما للغة العربية، وتشير كذلك إلى وجود فعلى للمسلمين فى أمريكا بعد وصول كولون مباشرة. يذكر أغيليرا بليغيثويلو (4) بعض أسماء لموريسكيين أندلسيين وصلوا إلى أمريكا: ألفونسو دى تريانا، والأخوة جانييث، وإيستيبان .... إلخ. أما إيوخينيو شهوان فيذكر أن أول أجنبى وطأت قدماه أرض تشيلى كان موريسكيا: إنه ألفارو ميثكيتا الذى قاد سفينة سان أنطونيو فى حملة إيرناندو ماجيلان عام 1520 (5)
نذكر هنا أن السلطات المسيحية الإسبانية قد أزعجها وجود مسلمين فى أراضى العالم الجديد وكون هؤلاء المسلمين يمارسون شعائر دينهم بشكل علني ولهذا فقد منح الكاردينال ثيسنيروس بعض صلاحياته لممثل محكمة التفتيش فى أمريكا، وجاء فى خطاب المنح "لأن فى هذه الاراضى كان هناك مواطنون يرتكبون ـ ضمن جرائم أخرى ـ جريمة ممارسة عقيدة موسى ومحمد. إن هؤلاء يحافظون على شعائرهم وتعاليمهم واحتفالاتهم المخالفة لعقيدتنا المسيحية" (6). ومن المعلوم أن القديس توما راجا قد طلب من السلطات الإسبانية السماح للموريسكيين بالسفر إلى أمريكا للعمل فى صناعة الحرير إلا أن طلبه قوبل بالرفض (7). وفى عام1539 أصدر الملك الإسباني قرارا بعدم سفر المسلمين واليهود وأبنائهم ممن تنصروا حديثا إلى أراضى العالم الجديد، أما فى عام 1543 فقد أصدر كارلوس الخامس قرارا بطرد المسلمين من أمريكا.
¥