أرجو النصيحة
ـ[خليل بن محمد]ــــــــ[15 - 12 - 05, 08:24 م]ـ
يقول الشيخ حاتم الشريف ـ حفظه الله ـ في كتابه (نصائح منهجية لطالب علم السنة النبوية):
يقول الخطيب البغدادي، منبها على أهمية الممارسة العملية في علم الحديث: "قل ما يتمهر في علم الحديث، ويقف على غوامضه، ويستنير الخفي من فوائده، إلا من جمع بين متفرقه، وألف متشتته، وضم بعضه إلى بعض، وانشغل بتصنيف أبوابه، وترتيب أصنافه. فإن ذلك الفعل مما يقوي النفس، ويثبت الحفظ، ويذكي القلب، ويشحذ الطبع، ويبسط اللسان، ويجيد البيان، ويكشف المشتبه، ويوضح الملتبس، ويكسب أيضاً جميل الذكر، وتخليده إلى آخر الدهر ". ثم أسند الخطيب إلى عبد الله بن المبارك، أنه قال: "صنفت من ألف جزء جزءاً، ومن نظر في الدفاتر فلم يفلح، فلا أفلح هو أبداً".
وهيئة هذه الممارسة التي نطالب بها طالب علم الحديث، هي: أن يقوم الطالب بما يشبه التصنيف والتأليف، إما بتخريج أحاديث كتاب ما أو أحاديث باب فقهي معين، أو بالترجمة لرواة كتاب لم يخدم رواته بالترجمة، أو بالعناية بالرواة المختلف فيهم، أو بجمع أقوال الأئمة وتطبيقاتهم حول قاعدة من علم الحديث أو حول أحد مصطلحاته .. ونحو ذلك من الموضوعات الكثيرة جداً. والأفضل أن ينوع في طبيعة بحوثه، حتى يستفيد فائدة أعم وأشمل.
وبالطبع لا يكون غرضه من هذه البحوث هو تأليف كتاب يخرجه للناس، خاصة في مرحلة تكوينه العلمي، وإنما يكون غرضه من ذلك التعلم والتمرن، للفوائد التي ذكرها الخطيب في كلامه السابق عن الممارسة العملية في علم الحديث.
ولا يمنع ذلك من أن يبتدىء طالب الحديث مشروعاً علمياً كبيراً، من صغر سنه وبدايات طلبه، يجمع له ويرتب ويناقش ويستنبط ويستدل، ويقضي في ذلك عمراً من عمره، وبشرط أن لا يخرج مشروعه هذا إلا بعد بلوغه من العلم ما يكون قد وصل به إلى درجة الإفادة، كأن يشهد له شيوخه وأقرانه باستحقاقه أن يدلي بجهده في تأليف كتاب.
بل إني لأشدد في النصح لطلبة العلم بابتداء مشاريع من هذا القبيل، ولا يستخفوا بأنفسهم؛ فقد كان الإمام الزهري يقول للفتيان والشباب: "لا تحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان، فاستشارهم، يبتغي حدة عقولهم".
ولك في سيرة العلماء قدوة:
فقد بدأ الإمام البخاري تصنيفه للتاريخ الكبير وله من العمر ثمانية عشر عاماً، وبقي في تصنيفه وتحسينه غالب حياته. أما (صحيحه) فمكث في تصنيفه ستة عشر عاماً.
وابتدأ ابن عساكر تصنيف (تاريخ دمشق) بمجلداته الثمانين من صباه، واستمر في جمعه إلى أن شاخ.
وأفنى الطبراني عمره المديد (فقد عمر مائة سنة) في معجمه الأوسط.
فعليك يا طالب العلم أن تختار مشروعاً علمياً حديثياً نافعاً، واستشر العلماء والمأمونين في اختيارك، وابدأ في الجمع له والتأليف من فترة مبكرة، ولا تفوت العمر. ثم أنت خلال هذا الجمع تمارس علم الحديث عملياً، وتطبقه واقعياً؛ فتستفيد فائدتين، بل فوائد، وتعلي همتك، وتقوي عزمك، وتبذل جهدك في طلبك العلم، وتطرد الملل والسأم وقلة الصبر، بما يتجدد لك في بحثك من فوائد، تنظر قطف ثمرتها في مستقبل حياتك العلمية إن شاء الله تعالى.
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[15 - 12 - 05, 09:03 م]ـ
قال الشيخ العالم الجليل أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى في مقدمته على (سنن الترمذي) (1/ 16):
(تصحيح الكتب وتحقيقها من أشق الأعمال وأكبرِها تبعة----).
وقال الشيخ العالم الجليل المعلمي اليماني رحمه الله تعالى في مقدمته على (الإكمال) لابن ماكولا (1/ 1):
(إن أشد نقص في الكتاب العربي المطبوع كثرة الخطأ والغلط والتصحيف والتحريف، ولذلك أسباب، منها خلو أكثر المخطوطات عن الشكل، وخلو كثير منها عن النقط، وتقارب صور بعض الحروف، ولا سيما في الخطوط التي لم يعتنَ بتحقيقها. هذه الأسباب مع جهل النساخ تفسد أكثر المخطوطات، وإذا لم يُعتَنَ بالتصحيح قبل الطبع وعنده جاء المطبوع أكثر وأفحش غلطاً من النسخ المخطوطة.
والعناية الناجحة بالتصحيح لا يكفي فيها عالِمية المصحِّح، بل لا بد من أمور أخر-----).
وقال غيرهما من الكبار نحو قولهما، وبينوا أن التحقيق أصعب من التأليف؛ لأنك في باب التأليف تختار الموضوع الذي تريد والمسألة التي تريد والطريقة التي تناسبك؛ وإذا عجزت عن أمر جاوزته إلى ما تستطيع؛ وأما في التحقيق فأنت ملزم بتحقيق كتاب لا تستطيع خروجاً عن موضوعاته ومعانيه ولا عن ألفاظه.
فيا أيها الأخوة هؤلاء علماؤنا وهم رواد التحقيق وأهله وهم أهل الخبرة والتجربة، وهذه أقوالهم؛ فلماذا لا نسلم للعلماء؟!.
ومن أصر على الكتابة فلماذا لا يبدأ بتصنيف شيء يناسب حاله، بدلاً من أن يقوم بتحقيق كتاب قبل أن يتأهل للتحقيق فيضر ولا ينفع؟! واعلموا أن تراث الأمة أمانة في أعناقها.
نحن لسنا ضد نشر التراث، بل نحن ضد نشره من غير تحقيق حقيقي وخدمة لائقة به؛ ورحم الله امرء عرف قدر نفسه وفقني الله وإياكم إلى خدمة دينه والدعوة إليه والذب عنه؛ ومن الله التوفيق.
¥