وليس من أحد يشترط المشيخة الحية التي لا تفهم ويدع الكتب التي فيها العلم الصحيح الحي
وصدق الشاعر حيث قال:
وخير جليس في الزمان كتاب
بل لعل أجر من يأخذ من الكتب أكثر كما ورد في الحديث عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرؤه وهو وهو عليه شاق فله أجران)).
أضف إلى ذلك السمعيات والمرئيات وغرف التعلم والمحادثة بين الطلاب والمشايخ فهذا كله يجعل التتلمذ له مفهوم مختلف عن الماضي ولابد بحكم التطور الزمني فمن يقف عند مصطلحات الماضي فقط لا شك في غلطه بل الواجب الاستفادة منها مع تعصيرها كما هو مشهور يعني يجمع بين الأصالة والمعاصرة.
وقد أجاب الذهبي عن هذه الشبهة من قديم فقال في ((سير أعلام النبلاء)) (7/ 114): ((
قال الوليد- يعني ابن مسلم -:كان الأوزاعي: يقول كان هذا العلم كريما يتلاقاه الرجال بينهم فلما دخل في الكتب دخل فيه غير أهله وروى مثلها ابن المبارك عن الأوزاعي.
ولا ريب أن الأخذ من الصحف وبالإجازة يقع فيه خلل ولا سيما في ذلك العصر حيث لم يكن بعد نقط ولا شكل فتتصحف الكلمة بما يحيل المعنى ولا يقع مثل ذلك في الأخذ من أفواه الرجال وكذلك التحديث من الحفظ يقع فيه الوهم بخلاف الرواية من كتاب محرر)).
وقال الأبناسي في ((الشذا الفياح)) (1/ 326): ((وأما جواز العمل اعتمادا على ما يوثق به منها فقد روينا عن بعض المالكية أن معظم المحدثين والفقهاء من المالكيين وغيرهم لا يرون العمل بذلك وحكي عن الشافعي وطائفة من نظار أصحابه جواز العمل به. قلت:قطع بعض المحققين من أصحابه في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة به وقال: لو عرض ما ذكرناه على جملة المحدثين لأبوه وما قطع به هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط الرواية فيها على ما تقدم في النوع الأول انتهى)).
وقال البدر الزركشي في ((النكت على مقدمة ابن الصلاح)) (3/ 555): ((ولم يبق في زماننا إلا مجرد وجادات)).
بل إن الأخذ الصحيح من كتاب موثق يعادل السماع والتلقي من الشيوخ , قال أبو عبد الله ابن رشيد الفهري في ((السنن الأبين)) (ص 73) ((عن بقية قال:سمعت شعبة يقول:كتب إلي منصور بأحاديث فقلت:أقول حدثني؟. قال:نعم. إذا كتبت إليك فقد حدثتك. قال شعبة:فسألت أيوب عن ذلك. فقال: صدق إذا كتب إليك إذا حدثك)).
ويقول الشاذلي تلميذ السيوطي في ((بهجة العابدين بترجمة حافظ العصر جلال الدين)) (ص62)
: ((واتفق اجتماع الشيخ جلال الدين والشيخ برهان الدين الكركي-رحمة الله عليهما-بجامع السلطان قايتباي بالروضة لصلاة الجمعة، كان كلّ منهما بجانب الآخر في الصف الأول خلف الإمام، وكنت أنا خلفهما، فتكلما في مسألة، وإذا بالشيخ برهان الدين احمرّ وجهه وهزّ رأسه، وقال للشيخ جلال الدين- وهو في شدة حنقه وغيظه-: نحن سبقناك للاشتغال بالعلم على المشايخ، وأنت تأخذ العلم بقوة الذكاء من الكتب! فقال الشيخ- وهو في غاية الرياضة-: العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده. وقام الشيخ برهان الدين ولم يتبعه أحد من الخلائق الذين صلوا الجمعة، وحضروا مجلسهما)).
ومع ذلك فالشيخ الألباني– رحمه الله – عند التحقيق تجده ما تلقى إلا عن الكتب فقد عُرِفَ بقلة شيوخه، وبقلة إجازاته , وكان أعداؤه يستغلون ذلك منهم السَّقَّاف كما قرأتُ في بعض كتبه فهو يفخر على الشيخ بأنه لم يجز إلا من الطَّبَّاخ، فقط أما هو فمن مشايخ كثيرين.
والآن إلى فصول الرد وليعلم القاريء أن هذا المعترض قد وقع في كل ما رماني به وسأبين ذلك صادقا غير كاذب بالدليل الواضح الجلي غير ظالم له والله أسأل أن أكون موفقا.
على أن هذا المعترض قد أقام الحواجز والحدود ولم يبق للرجعة طريقا ولو ضيقًا وعرًا. ومما يجدر بالذكر أنه لم يدافع عن الشيخ ضد المبتدعين الظاهرين بالعداوة من أمثال السقاف ومحمود سعيد والغماريين بل تخصص في مهاجمة أهل السنة ومنهم الشيخ مصطفى العدوي فقد خصه بنصيب الأسد في كتبه مشهرا به حتى في هذا الكتاب بدأ به في عدة صفحات ولمز وعمز الشيخ شعيب وأنا ولله الحمد لي أكثر من تأليف في الرد على أعداء السنة من مبتدعة وشيعة.
¥