أفليس من البغي الذي يبعث على الرثاء لصاحبه بعد ذلك أن يقول في مقاله: «والخلاصة أن كل هذا البحث والتتبع المتواصل وما بذل فيه من جهد وكد على مدى سنوات مما لا يوجد في فهارس المكتبات كل ذلك أغار عليه عبد الرحمن قائد وسطا عليه غنيمة باردة بلا أدنى عناء أو مشقة ولا بإشارة عابرة في هامش أو حاشية إلى صاحب العمل الأصيل الذي أخذ عمله في وضح النهار»؟!!
ثالثًا: أما الاشتراك في ذكر (بعض) المعلومات في مقدمة التحقيق ودراسة الكتاب , فأمر طبيعيٌّ لا مفرَّ من وقوعه بين محققَيْن لكتاب واحد , فيما سبيله النقل المحض من المظان , ولا يكاد يخلو منه كتاب صدر بعدة تحقيقات , واغتنام الحفيان لهذا واتخاذه سبيلاً لاتهامي بالسرقة خلقٌ تأباه النفوس الكريمة , خاصةً وهو يعلم الفروق الكثيرة بين المقدمتين في تناول القضايا صياغةً ومعاني , بل انفراد مقدمتي بمباحث ونقول لا أثر لها في مقدمته , كما سيأتي.
وسأضرب مثلاً من تلك الشواهد التي تكثَّر بها الحفيان لتصحيح دعواه , ليتبيَّن بغيه وإسرافه على نفسه فيه.
قلت في مبحث توثيق نسبة الرسالة لابن القيم (ص: 9) معدِّدًا دلائل ذلك: «ذِكْرُ ابن القيم لها في بعض كتبه , كما في «مدارج السالكين» (3/ 308)».
وقال الحفيان في طبعته (ص: 7): «أحال عليها المؤلف في كتابه مدارج السالكين».
ثم قلت: «تسمية بعض مترجمي ابن القيم لها ضمن سياق تصانيفه , كما صنع ابن العماد في «شذرات الذهب» (8/ 290)».
وقال الحفيان: «ذكرها كل من ابن العماد الحنبلي المتوفى (1089 هـ) في «شذرات الذهب» (6/ 170)».
فجعل الحفيان هذين الموضعين من أدلته على أنني سرقت طبعته!!
قلت: لو أردت أن أكيل للحفيان بمكياله الذي ارتضاه لجعلته هو السارق لهاتين المعلومتين من كتاب الشيخ بكر أبو زيد «ابن قيم الجوزية حياته وآثاره وموارده» المطبوع قبل نحو ربع قرن , فإنه ذكرهما فيه (ص: 220) عند حديثه عن الكتاب , ولقويتُ ذلك بأن الحفيان قد سرق حتى الإحالة على الطبعة القديمة لشذرات الذهب , ولقلت: هل كان يمكن أن يعرف الحفيان ذلك لولا أن الشيخ بكر قد ذكره في كتابه الرائد المخصص لابن القيم وآثاره؟! وهل يعقل أن يقع هذا من باب التوافق دون قصد؟!
بل لو أردت أن لا أكون بعيدًا عن الحقيقة لقلت بأن قول الحفيان (ص: 5) من مقدمته: «مصايد , بالياء المثناة التحتية , وهمزها لحن شائع» مسروقٌ من تنبيه الشيخ بكر أبو زيد على ذلك في كتابه «ابن القيم» (ص: 219)!!
وقد بلغت اللجاجة والبهت من الحفيان مبلغًا جعلاه يستدل بأن قولي في وصف المخطوط (ص: 21): «اعتمدت في إخراج الرسالة على مصورة الأصل الخطي الذي كان بمكتبة العلامة القاسمي , قبل أن يستقر في مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض , وهو أصل نادر فريد» مسروقٌ من قوله (ص: 8 – 9): «اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على نسخة خطية فريدة تقع ضمن مجموع أصيل , وهو من مخطوطات علامة الشام محمد جمال الدين القاسمي رحمه الله ورثها عن أبيه عن جده ثم آلت ملكيتها إلى مكتبة الملك فهد بالرياض»!! فبالله عليك .. أي شيءٍ هذا؟! وماذا أقول إذن في وصف مخطوطٍ كهذا؟! ومن بلغ في خصومته إلى هذا الهذيان ينبغي أن يسقط الكلام معه.
فليتدبر المنصف هذا .. ولولا الإملال لتناولت جميع أمثلته بالبيان والتعليق , وما تركته من جنس ما ذكرته.
وقد انفردت مقدمتي بالبحث في مسائل خلت منها مقدمة الحفيان , منها:
1 - علاقة عنوان الرسالة بموضوعها , والإشارة إلى سبب تصنيفها.
2 - تاريخ تصنيف الرسالة وموضعها من كتب ابن القيم.
3 - تحرير قول ابن القيم في مسألة طلاق الغضبان , وذلك بشكل واضح ودقيق , والإشارة إلى من لم يفهم كلام ابن القيم فهمًا صحيحًا , وتوثيق ذلك.
4 - معالم منهج ابن القيم في كتابة هذه الرسالة.
5 - ترجمة ناسخ المخطوط. ولا أدري كيف يترك هذا مثل الحفيان الخبير بعلم «الكوديكولوجيا»؟!
6 - مناقشة إلحاق قصيدة الرصافي بالرسالة , وبيان عدم صوابه , ووجه ذلك.
فأين هي هذه المباحث في مقدمة الحفيان؟! لعلها سُرِقَت من أفكاره التي لم تمرَّ بعد على خاطره الشريف!
¥