والكيَّال والقصَّاب والبقَّال، وذكر أيضاً الصفات والعيوب كالطويل والقصير والأعمش والضرير، والألقاب كجَزَرَة وكيلَجَة. فجاء الكتاب في غاية الملاحة ونهاية الجودة والفصاحة، وقد أتى مصنفُه بما عجز عنه الأوائل ولا يدركه الأواخر، فإنه أجاد ترتيبه وتصنيفه، وأحسن جمعه وتأليفه. قد لزم في وضعه ترتيب الحروف في الأبواب والأسماء على ما تراه" (5).
بين "الأنساب" و "معجم البلدان"
لو نظرنا فيما صنَّفه السَّمعاني- وهو كمٌّ كبير كما سنرى لاحقاً- لوجدنا في لائحة تآليفه معجماً للبلدان.
ولو أضفنا إلى ذلك رحلته الواسعة في طلب العلم حيث طوَّف في مراكز العلم في الدنيا لعرفنا مبلغ ما وصل إليه من المعرفة والإتقان في أسماء المدن والبلدان.
ولو تأملنا ما سبق القول فيه من أن النِّسَب تكون على أنواع منها ما هو نسبة إلى بلدة أو قرية أو موضع لوقفنا على أهميَّة معرفة اسم البلد المنسوب إليه.
وأخيراً لو أجرينا مقارنة بين ماضبطه السَّمعاني في "أنسابه" بالحروف لأسماء بعض هذه البلدان وما فعله ياقوت الحموي في معجمه الشهير الذي يعدُّ عمدة الباحثين في فنِّه وبابه لوجدنا اختلافاً -في بعض الأحيان- بين صنيع هذا وذاك.
مما تقدم يمكننا أن نضيف مميزة جديدة وأهميَّة أخرى لأنساب السَّمعاني الذي يعدُّ بحق مرجعاً أساسياً في هذا المجال، خاصة إذا عرفنا أن السَّمعاني متقدم على ياقوت، وأنَّ وفاته تسبق وفاة ياقوت بأربع وستين سنة.
وإليك بعض الأمثلة مما وقع فيه اختلاف بينهما:
في رسم (النخاني) نرى السَّمعاني يقيِّدها بالحروف بفتح النون، أما ياقوت فيضبطها بضمها. (6)
وفي رسم (النَّطَنْزي) يقول السَّمعاني: هذه النسبة إلى (نَطَنْز) بينما هي عند ياقوت (نَطَنْزة) بإضافة هاء في آخرها. وكلاهما قال: هي بلدة بنواحي أصبهان. (7)
وفي رسم (اليُوخَشُوني) يقيِّدها السَّمعاني بضم السين المهملة، بنيما هي عند ياقوت بالشين المعجمة. (8)
أنساب السمعاني محقَّقاً:
بقي هذا الكتاب رهين عالم المخطوطات قرابة ثمانية قرون من الزمن، وذلك منذ عصر المؤلف حتى العصر الحديث، إذ هيَّأ الله له من أزاح عنه الغبار وأخرجه إلى ساحة النور، فطُبع عدة طبعات لعل أفضلها تلك التي شرع بها العلاَّمة الفاضل الشيخ عبد الرحمن المعلِّمي اليماني رحمه الله، فأخرج منه ست مجلدات محققة، تولَّت إصدارها دائرة المعارف الإسلاميَّة بحيدر آباد الدكن في الهند.
ثم توالى تحقيق الأجزاء الستة المتبقية على يد مجموعة من الباحثين هم على التوالي:
الأستاذ محمد عوامة (المجلد السابع1 والمجلد الثامن).
الأستاذان محمد عوامة ورياض مراد (المجلد التاسع).
الدكتور عبد الفتاح الحلو (المجلد العاشر).
الأستاذان محمد مطيع الحافظ ورياض مراد (المجلد الحادي عشر).
كاتب هذه الأحرف أكرم البوشي (المجلد الثاني عشر) وبه ختم الكتاب.
وقد تولى طبع الأجزاء الستة الأخيرة وإخراج الكتاب بشكله الكامل السيد أمين دمج في بيروت (9).
والآن وبعد أن وقفنا مع الكتاب لا بدَّ لنا من إلمامة بصاحبه.
السَّمعاني (اسمه ونسبه وكنيته ولقبه):
هو العلاَّمة الحافظ، تاج الإسلام، أبو سعد، عبد الكريم بن محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن جعفر التميمي السَّمعاني المَرْوزي.
والسَّمعاني -بفتح السين المهملة، وسكون الميم، وفتح العين المهملة، وفي آخرها النون - نسبة إلى (سمعان) وهو بطن من تميم كما قال المؤلف نفسه.
قال المعلِّمي اليماني رحمه الله: "وليس معنى هذا أنه بطن قديم معروف في الجاهلية، فإن علماء النسب لا يعرفون ذلك، وإنما سمعان -والله أعلم- تميميٌّ كان هو أو ابنه في زمن الصحابة، وكان فيمن غزا مرو، واستوطنها، وكثر بنوه فنُسبوا إليه، وبذلك صار بطناً من تميم" (10).
مولده ونشأته:
ولد أبو سعد بمرو يوم الاثنين الحادي والعشرين من شعبان سنة ست وخمسمئة هجرية، وما أن بلغ سنتين أو نحوهما حتى كان أبوه يحضره مجالس المحدِّثين، ويكتب له ما أملَوه أو قرئ عليهم وهو حاضر، ويثبت ذلك ويصححه ليكون أصلاً يرجع إليه ولده ويروي منه إذا كبر. ولم يكتف أبوه بذلك بل رحل به - وعمره ثلاث سنوات- إلى نيسابور، وأحضره لدى كبار محدِّثيها وسمع له منهم.
¥