تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولد أبو سعد بمرو يوم الاثنين الحادي والعشرين من شعبان سنة ست وخمسمئة هجرية، وما أن بلغ سنتين أو نحوهما حتى كان أبوه يحضره مجالس المحدِّثين، ويكتب له ما أملَوه أو قرئ عليهم وهو حاضر، ويثبت ذلك ويصححه ليكون أصلاً يرجع إليه ولده ويروي منه إذا كبر. ولم يكتف أبوه بذلك بل رحل به - وعمره ثلاث سنوات- إلى نيسابور، وأحضره لدى كبار محدِّثيها وسمع له منهم. ويتوفى الأب سنة عشر وخمسمئة وعمرُ أبي سعد حينئذ ثلاث سنين وخمسة أشهر، فكان وصيُّه وعمَّاه خيرَ خلف لخير سلف، فالبيئة صالحة فاضلة، والعناية والرعاية مستمرتان، وفي ذلك ما يغني عن الكلام في تنشئة هذا الغلام تنشئة علميَّة رفيعة، كان نتاجها أن حفظ القرآن الكريم، وتعلَّم الفقه والعربيَّة والأدب، وصار يسمع الحديث مع عمَّيه، ثم بعد أن قارب العشرين صار يسمع بنفسه.

رحلته في طلب العلم:

تاقت نفس الشاب إلى الرحلة سعياً وراء التحصيل، وألحَّ على أوصيائه أن يأذنوا له بالسفر إلى نَيْسابور ليسمع "صحيح مسلم" من المتفرد به المعمَّر الثقة أبي الفضل الفراوي الذي طال عمره، وأصبح يتوقع كل يوم موته، وإذا مات ولم يسمع منه أبو سعد كانت حسرة في قلبه لا تندمل، فلم يأذنوا له حتى جاوز عمره الثانية والعشرين من السنين، ولم يسمحوا له بالسفر وحده بل سافر معه أحد عمَّيه.

وبعد أن أتم أبو سعد سماع "صحيح مسلم" في نيسابور انتقل منها إلى غيرها بحيث طوَّف في أكثر مراكز العلم في الدنيا عدة سنوات، وعمَّت رحلته بلاد خراسان وأصبهان وما وراء النهر والعراق والحجاز والشام وطبرستان، ثم عاد إلى وطنه مرو سنة سبع وثلاثين أو ثمان وثلاثين وخمسمئة، وكان ذلك كله قبل زواجه.

ثم بعد أن تزوج ورُزق بأبي المظفر عبد الرحيم رحل به إلى نَيْسابور ونواحيها وبلخ وسَمرقند وبُخارى ... ثم عاد إلى مسقط رأسه، وألقى عصا السفر والترحال بعدما شقَّ الأرض شقاً، وأقبل على التصنيف والإملاء والوعظ والتدريس (11).

مؤلفاته وثناء العلماء عليه:

سرد ابن النَّجار -نقلاً عن السَّمعاني نفسه- أسماء تصانيفه التي تزيد على الخمسين ثم قال: "سمعت من يذكر أن عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ، وهذا شيء لم يبلغه أحد، وكان مليح التصانيف، كثير النشوار والأناشيد، لطيف المزاج، ظريفاً، حافظاً، واسع الرحلة، ثقة، صدوقاً، ديِّناً. سمع منه مشايخه وأقرانه، وحدَّثنا عنه جماعة" (12).

وقال فيه الذهبي: "الحافظ البارع العلاَّمة ... وكان ذكيّاً فَهِماً، سريع الكتابة مليحها. درَّس وأفتى، ووعظ وأملى، وكتب عمَّن دبَّ ودرج ... وكان ثقة، حافظاً، حجَّة، واسع الرحلة، عدلاً، ديِّناً، جميل السيرة، حسن الصحبة، كثير المحفوظ ... " (13).

وقال ابن العماد: "وفيها -يعني سنة اثنتين وستين وخمسمئة- الحافظ أبو سعد السَّمعاني، تاج الإسلام عبد الكريم بن محمد بن منصور المروزي الشافعي، محدِّث المشرق، وصاحب التصانيف الكثيرة، والفوائد الغزيرة، والرحلة الواسعة ... " (14).

وفاته:

بعد هذا التطواف المستمر، والعمل الدؤوب أفلتْ شمس هذا العالم الحاذق، ليُسجَّل اسمه في سجل الخالدين، وذلك بمرو سنة اثنتين وستين وخمسمئة، وله من العمر ست وخمسون سنة.

*****************

الهوامش والإحالات:

1 - "لسان العرب" لابن منظور، مادة (نسب).

2 - كتاب "العصبية القبلية وأثرها في الشعر الأموي" للدكتور إحسان النص: ص11.

3 - مقدمة "اللباب في تهذيب الأنساب": ص 7.

4 - مثل عربي قديم، أورده الميداني في "مجمع الأمثال" 2/ 136. والفَرا -بفتح الفاء والراء- الحمار الوحشي، وجمعه: فِراء.

5 - مقدمة "اللباب في تهذيب الأنساب" ص 7 - 8.

6 - "أنساب السمعاني" 12/ 58، و "معجم البلدان" لياقوت: 5/ 275.

7 - "أنساب السمعاني" 12/ 110، و "معجم البلدان" لياقوت: 5/ 292. 8 - "أنساب السمعاني" 12/ 430، و "معجم البلدان" لياقوت: 5/ 452.

9 - انظر بحثاً قيِّماً كتبه الأستاذ محمود الأرناؤوط في كتابه "عناقيد ثقافية" ص 89/ 90 حول إسهام المستشرق الإنجليزي مرجليوث في نشر كتاب "الأنساب" مصوراً.

10 - مقدمة "الأنساب" ص 15/ 16.

11 - مقدمة "الأنساب" ص 16 - 17.

12 - "سير أعلام النبلاء" 20/ 462، و "طبقات علماء الحديث" 4/ 94.

13 - "تذكرة الحفاظ" 4/ 1316.

14 - "شذرات الذهب" 6/ 340 - 341.

1 - وقد أشرف على القسم الأول والذي يضم تراجم حرف (السين) بتمامها الأستاذ المحدِّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط كما هو مبين في المقدمة التي كتبها الأستاذ محمد عوّامة.

**********

المصدر: مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 78 - السنة 20 - كانون الثاني "يناير" 2000 - رمضان - شوال 1420

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير